٢٧ ديسمبر ٢٠٠٦

كل سنة وانت عايش

أنا بريشة بابا!
بابا يا بابا
يا أكتر واحد
صاحبي في الدنيا دي
صاحبي وبرضه سيادة الوالد
وأبوس الأيادي
وكلامك ده حلقة في ودني
مين يقدر عنه يحودني؟
ياللي انت مزاجك تسعدني
لك حبي وفؤادي

ضحكتك العالية الحبوبة
يا حبيبي يا بابا
دابوا في دباديبها بنات جيلك
واتجنوا صبابا
ضحكة لو انا باتمشى في غابة
وأفكر فيها
يتشجع قلبي ولا يهمه
جن ولا ديابة
بس انت تكون راضي عليّا
ما في أسانسير يعطل بيّا
واسلك في طبور الجمعية
والقى الأتوبيس فاضي
بابا يا بابا
يا أكتر واحد
صاحبي في الدنيا دي..

طول عمري أفتكرك وانت
راجع من شغلك
وانا باهتف لك "بابا جه! بابا جه!"
واجري واقابلك
وقتها ترمي هموم العالم
على أول كرسي
وتبان قدامي بحقيقتك
وبخفة ظلك
إنسان مليان رقة وحكمة
فايت بحياتي كمان نسمة
تديني أنا اللقمة الطعمة
وتتعشى انت زبادي
________
واحشني يا بابا. كل سنة وانت طيب.. وشكراً على الغنوة
________

* ذكرى ميلاد صلاح جاهين 25/12/1930
**الأغنية من تأليفه و ألحان كمال الطويل وغناء سعاد حسني في فيلم "المتوحشة"
تحديث: تسجيل كامل لاحتفالية صلاح جاهين بالمجلس الأعلى للثقافة تجدونه هنا في مدونة "واحدة وخلاص".

١٤ ديسمبر ٢٠٠٦

يكبر الرمز يصير بطول البلاد وعرضها!

رداً على ما يدّعيه بعض ’المثقفين‘ اللبنانيين والعرب من تآكل للشعبية التي حققتها المقاومة اللبنانية -وعلى رأسها السيد حسن نصر الله- في الشارع العربي مؤخراً، بسبب دخولها بقوة إلى ساحة الصراع السياسي اللبناني، كتبت الأديبة الدكتورة رضوى عاشور
المقال التالي في العدد السابق من جريدة الكرامة (المصرية) بتاريخ 12/12/2006:

ملحوظة: كتب هذا المقال قبل الحشد الكبير يوم الأحد الماضي.
كمان ملحوظة: يسلم فمك يا دكتورة رضوى!


يكبر الرمز يصير بطول البلاد وعرضها
د. رضوى عاشور

لحزب الله مكانة كبيرة في قلبي.. وللسيد حسن نصر الله قيمة راسخة يعززها يوماً بعد يوم أداؤه وأداء حزبه. أعرف أنني لا أنفرد بهذا الرأي، بل يشاركني فيه ملايين العرب وقد قدم لهم هذا الزعيم نموذجاً مبهراً في قيادته تنظيماً مقاوماً تمكن من مواجهة (إسرائيل) والانتصار عليها مرتين، مرة عام 2000 حين انسحبت القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، ومرة ثانية عام 2006 حين ردت المقاومة العدوان (الإسرائيلي) وأسقطت أهدافه.

وفي الأزمة التي يعيشها لبنان الآن يقود حزب الله تحالفاً شعبياً واسعاً نزل إلى الشارع ليعلن عن مطالبه منذ اليوم الأول من هذا الشهر في مظاهرة حاشدة شارك فيها مئات الآلاف (قدرتهم القوى الأمنية اللبنانية بثمانمائة ألف، وقدرهم بعض المراقبين بما يتجاوز المليون، وهو ما يوازي خروج 17 مليون مصري إلى الشارع). خرجوا من مختلف المناطق اللبنانية وعلى اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم الحزبية يحملون شعارات موحدة ومطالب محددة. وأعقب المظاهرة اعتصام ممتد يدخل، ساعة كتابة هذه السطور، يومه التاسع حيث يبيت الآلاف في خيام بساحتي رياض الصلح وساحة الشهداء في قلب بيروت، وحيث أقيمت صلاة مشتركة للسنة والشيعة، أمّها إمام سني وشارك فيها عشرات الآلاف من أبناء المذهبين، وحيث يتوقع أن تلتقي المظاهرة الحاشدة بعنفوان الأول من ديسمبر مرة أخرى بعد ظهر الأحد وهذه الجريدة ماثلة للطبع.

وفي رأيي أن الصراع القائم في لبنان والذي يصوره البعض على أنه صراع يفتعله أنصار سوريا وإيران، ويهددون به وحدة لبنان، رغم تعقيدات الصيغة اللبنانية وانقساماتها الطائفية، صراع واضح بسيط، صراع حول الاحتفاظ بلبنان في صف المعسكر المعادي لأمريكا و(إسرائيل) أو في صف النظام العربي الرسمي الواحد التابع لأمريكا والممالئ (لإسرائيل). هو صراع للحفاظ على سلاح المقاومة في مواجهة من يريدون تجريد المقاومة من هذا السلاح. وهو أيضاً صراع حول حق الأغلبية (الأغلبية الفعلية لا البرلمانية المتمترسة في مقاعدها الوزارية) في اختيار مصير لبنان ومساره. ثم إنه صراع من أجل مشاركة مَن دَرَج النظام اللبناني على تهميشهم إلى حد الغياب، أقصد الطائفة الشيعية.

استطاع حزب الله أن ينقل الطائفة الشيعية، الطائفة الأكبر عدداً في لبنان، المقموعة تاريخياً والمظلومة اجتماعياً والغائبة من المشهد اللبناني المعلن كأنها ليست منه، استطاع أن ينقلها من الهامش إلى المتن، وحولهم من جنوبيين فقراء لا يقيم لهم أحد حساباً إلى قوة فاعلة منظمة واثقة في قدراتها، تحمي الوطن وتتحمل عن طيب خاطر التضحية بأبنائها وبيوتها وموارد رزقها من أجل تحريره. إنه إذن صراع اجتماعي أيضاً حول غياب الأفقر أو حضوره في المشهد الوطني، حول الحقوق في أن نكون مرئيين فاعلين في مجتمعنا حاضرين في تشكيل سياساته.

ولقد التقط زياد رحباني هذا الجانب من المشهد وهو يعلق ساخراً على سكان السراي المتمترسين في سلطتهم على بعد أمتار من الجماهير المطالبة برحيلهم، حين أطلق على نائلة معوض الوزيرة في حكومة السنيورة اسم: ماري أنطوانيت معوض.

لا جديد فيما أقوله هنا، فالأرجح أن كثيراً من القراء المتابعين لمجريات الأمور يعرفون هذا الكلام وتفاصيله التي لا يتسع المجال هنا إلا لإجمالها بما لا يخلو من التبسيط. ولكنني أكتب هذا المقال لسببين: أولهما الرد على موقف حكومتنا "السنية" التي نزلت بثقلها كما اعتادت لمساندة النظام العربي المستبد في وجه أي محاولة لإنجاز مكاسب وطنية أو ديمقراطية (وصفت الحكومة المصرية المقاومة بالمغامرة، وها هي تحذر من أن المطالب العادلة للمعارضة واحتشادها يهدد المجتمع اللبناني ويعرضه لحرب أهلية). وعلى عادتها، ضمت حكومتنا صوتها إلى صوت "الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا والسعودية والأردن" لدعم حكومة السنيورة مما دعا السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير إلى أن يطلب من الحكومات العربية عدم التدخل في الشأن اللبناني لنصرة فريق على فريق. أما أنا فأتدخل بالقول على الأقل، في نصرة الفريق الذي يخصني كمواطنة عربية صاحبة مصلحة في ألا يصبح لبنان ساحة أمريكية جديدة، وصاحبة مصلحة في حماية هذه المقاومة التي نصرتني وشدت من أزري، والتي فتحت بانتصاراتها أبواباً للأمل، وقدمت بنضالها الشعبي الديمقراطي نموذجا ً مشرقاً لي ولأمثالي من الطامحين في التخلص من الكابوس الآخر الذي يعكر علينا عيشنا اليومي. أما السبب الثاني فهو رغبتي في الرد على زميل من الكتاب، ارتبط تاريخياً بالمعسكر الوطني وهو من أبرز الأدباء اللبنانيين، إلياس خوري، صاحب رواية باب الشمس، وقد استوقفني وأدهشني ما قاله في مقال له نشر في جريدة القدس اللندنية بتاريخ 7/12/2006 أشار إلياس إلى سؤال يؤرقه "ويؤرق الكثير من اللبنانيين، هو: لماذا تنهار الرموز بسرعة في البلد الصغير، ولماذا تتفكك اللغة السياسية وتتآكل القيم؟ كأن الساحة اللبنانية، كانت مختبر انهيار الرموز والقيم السياسية والثقافية في العالم العربي".

يقول إلياس خوري: ما إن أخذ الرمز الذي جسدته المقاومة الإسلامية في صيف 2006 وعلى رأسها السيد حسن نصر الله يتشكل حتى بدأ في التآكل، وتحول جزءاً من خريطة الزواريب الطائفية اللبنانية.. إن المقاومة في رأيه، تسعى إلى إعادة إدراج لبنان في المحور السوري ـ الإيراني، وهو خطأ أدى إلى تآكل الرمز الذي جسدته كما تسبب في عجزها عن استثمار انجازها العسكري، وغرقها "في وحل الانقسام الطائفي اللبناني".

ما يقوله إلياس خوري، (وغيره من المثقفين اللبنانيين)، يتفق سواء أراد ذلك أو لم يرد، مع دعاوي الفريق الحاكم في لبنان. فريق بدأ هجومه على المقاومة وقائدها ضمناً ثم أعلن الهجوم الصريح قبل الاعتصام وبعده.

يعلن إلياس خوري بثقة "تآكل الرمز"، واقع الأمر فيما أرى، أن الرمز يتسع إذ تواصل المقاومة مهامها المعقدة والصعبة، تربط بين مواجهة العدو الخارجي وحق المهمشين في التمثيل العادل، وهو تمثيل يؤدي غيابه إلى تخريب ما أنجزته المقاومة ويفتح الباب واسعاً أمام الهيمنة الأمريكية والتواطؤ المعلن أو الضمني مع الحكومة "الإسرائيلية" والاندراج في إطار النظام العربي الخانع والتابع والفاسد. ولأن المقاومة تواصل مهامها الصعبة، ولأن السيد حسن يدخل معركته الجديدة، يكشف للناس الحقائق ويصدقْهم القول ويعدهم بالنصر مجدداً فإن سكان السراي يتكالبون عليه ويستشرسون.

أصبح السيد حسن نصر الله في قولهم كاذباً يختلق الوقائع، وأصبح ينفذ ما تمليه عليه سوريا وإيران، وأصبح لا يريد المحكمة الدولية والمعنى الضمني أنه متواطئ مع منفذي قتل الحريري وسلسلة الاغتيالات التي شهدها لبنان، وأصبح مثيراً للفتنة ومهدداً للسلم الأهلي.. إلى آخر هذه الأباطيل التي قد تصيب من تابع مسيرة السيد حسن نصر الله بالذهول على أقل تقدير.

أما أنا فتعود بي ذاكرتي إلى تلك النسجية القديمة التي ترجع إلى القرون الوسطى. نسجية لمخلوق أسطوري أبيض بهيّ أشبه بمُهر، يحيط به الصيادون من كل جانب، الصورة رمز وسيط للسيد المسيح. وتعود بي ذاكرتي إلى الصورة وأنا أحدق في وجه السيد حسن نصر الله في مساره الأشبه بمسار الأنبياء، حضورهم الغالب وسماحتهم ووعدهم وعزمهم، وأيضاً فيما يتعرضون له من ظلم وعدوان.

لم يتآكل الرمز يا إلياس، بل أراه أمام عيني يتعزز ويتعمق ويتوسع.

يكبر الرمز، يطابق أرضه وأهله، يحيط بأوجاعهم وتطلعاتهم وحكايتهم الممتدة في التاريخ وكل غال تحرص عليه رموش عيونهم، بما كان وبما يأملون أن يكون.

١٠ ديسمبر ٢٠٠٦

فن المبالغة... لا يبالغ

علمتني أن جسدي -إذا سمحت له بذلك- قادر على ترجمة أصعب المشاعر وحكي أعقد الحكايات دون النطق بأكثر من كلمة أو اثنين. علمتني كيف أنصت للحركة !
يبدو الأمر سهلاً في بداية الأمر... فقط راقب حركات يدها وتعبيرات وجهها. في بعض الأحيان، ستعطي لخيالك مساحة كافية لترجمة حركاتها كيفما شئت، وفي أحيان أخرى ستجدها تعبر بإصرار ومثابرة، وكأنها تصرخ في وجهك لكي تفهم! فتفرض عليك ما يمليه عليها جسدها بالضبط. ستجد صعوبة في تحديد ما إذا كان العقل هو الذي يحكي الحكاية ويتحكم فيها أم الجسد... وعندما تتدخل الموسيقى والمؤثرات الصوتية، يصبح هذا الجسد –لأنها تطيعه وتسمح له بذلك- عجينة لينة تحركها الأصوات الخارجية كيفما شاءت. تدفعها بعنف تارة، وتراقصها كسنابل القمح تارة. ربما لهذا السبب، انتابتني نوبة هستيرية من الضحك عندما جاء صوت غريب واستجاب له الجسد بتناغم مبالغ فيه! ضحكت لأنه لا حول له ولا قوة – نغمة تجيبه يمين ودقة طبلة تجيبه شمال! وربما لنفس السبب دمعت عيناي عندما شاهدته للمرة الثانية، ففي لحظة ما، غير متوقعة بالمرة، تحول هذا الكائن المضحك ذو القناع الأبيض والتعبيرات المبالغ فيها، إلى إنسان مثلي ومثلك، مستضعف مغلوب على أمره، يتحكم فيه العالم الخارجي رغماً عنه.. وهنا عدت للضحك! ضحكت منه وعليه بمرارة تشوبها ألفة مقلقة... نخاف دائماً ممن يشبهوننا، وكأن مصيرنا في أيديهم...

"سكويك" يا صديقي، كيف أنصحك بألا تكتم الألم وأنت سيد التعبير؟ كيف أسألك عن هويتك وأنت تتحدث لغة الجميع؟ وكيف أحدثك أنا عن القوة والصمود وأنت من حافظت على عفويتك وطفولتك وصفائك في ظل كل هذه الحروب؟
"سكويك" يا ضمير لا محل له – حسب تعبيرك – ، كلنا منك.. بس انت أشطر علشان بتعرف تعبّر.
__________
* إقرأ المزيد عن "سكويك" هنا وهنا

٢٨ نوفمبر ٢٠٠٦

كلغة الجسد أو أبعد

هل لأنني مغرمة بلغة المشاعر التي تتخطى الحروف وتتفوق عليها، أعجز دائماً عن وصف من أحب؟ أم أنني أحب هؤلاء الذين يعبرون عني وعن أنفسهم بغير لغة الكلام؟ هذه المرة، لن أحاول استخدام الكلمات لوصف ما جهد الجسد لينقله بغير حروف. إنه فن الإيماء.. لعب وجد وهزل يحمل في طياته حالة إنسانية مفرطة. إنها خلود ناصر من لبنان: صديقة صدفة رتبها قدر لم أكن أؤمن به. أخت تأكدت بمعرفتها أننا عرب وأننا أهل بيت واحد.


أنصحكم من كل قلبي أن تشاهدوا هذا العرض. للأسف لن يعرض في القاهرة هذه المرة. (هنيالكم يا أهل اسكندرية! قعدتوا تقروا علينا ان كل العروض بتتعمل عندنا، أديكو خدتو الزغلول الكبير! :)

"سكويك" عرض إيمائي منفرد لخلود ناصر، إعداداً وتمثيلاً وإخراجاً.

المكان: مركز الجزويت الثقافي، الاسكندرية

الزمان: الجمعة 1 ديسمبر في تمام الساعة الثامنة مساءً

ومرة كمان في مركز الجزويت بالمنيا يوم الإثنين 4 ديسمبر الساعة السابعة مساءً

٢٣ نوفمبر ٢٠٠٦

لبنان .. العالم في أربعة أيام

لم أكن أدرك أن عقل الإنسان قادر على استيعاب هذا الكم الهائل من الأحداث والانطباعات في تلك الفترة القصيرة. هو لم يقدر في الحقيقة.. بدليل أنني مازلت أعمل جاهدة في محاولة لتنظيم أفكاري وترويض عواطفي لأتمكن من الحديث عنها.
فقد دأب لبنان على إمطارنا بالمفاجئات بصورة مستمرة وعلى ألا يتوقف عن إدهاشنا لحظة واحدة، حتى أنني تخيلته رجلاً تتملكه حالة نشاط مفرط، يقذفنا بإصرار بكل ما في ذهنه وما في قدرته من ورود وأشواك.

أربعة أيام فقط شاهدت فيها وجه لبنان المقاوم الصامد ووجهه المتعالي المتغطرس... تعرفت على أسير نجح في الهروب من أحد أبشع سجون إسرائيل (معتقل الخيام في جنوب لبنان، والذي دمّرته إسرائيل في حرب تموز السابقة)، وجلست في سيارة واحدة إلى جانب مقاوم من جنود حزب الله حكى لي كيف أطلق عليه رفاقه لقب ’الشهيد الحي‘.. مشيت في شوارع الضاحية الجنوبية، ووطأت قدماي أرض الجنوب الطاهر، ورأيت الأضواء تتلألأ في فلسطين على الجانب الآخر من شاطئ مدينة صور... سمعت الأغنيات الجديدة التي لحنها زياد سحاب من أشعار فؤاد حداد وأكلت زيتونأً دقّته وملحته أيدٍ جنوبية طاهرة. شاهدت صور الحريري تحت شعار "لن ننسى" (!) على جدران المباني الحديثة وصور أطفال منسية ضاعت ذكرياتهم تحت ركام المباني المهدمة في الضاحية الجنوبية...

عن أي تلك التجارب أتحدث؟ عن عرض أشعار فؤاد حداد الذي قدمناه في الجنوب وعن الكلمة التي قدمنا بها رئيس بلدية صور فدمعت لها عيناي، أم عن شعوري عندما رأيت مذيعة قناة المنار تجلس في الصف الأول وتتفاعل مع الشعر وتبتسم عند سماعها سيرة "الشاطر حسن"؟ أم أتحدث عن صديقتي الجميلة خلود وأسرتها الدافئة وابتسامتها المرحبة التي لا تفارق وجهها ، أم عن زياد سحاب وبورتريه والده الذي رسمه أبي منذ ثلاثين عاماً أو أكثر.. أم أحكي عن مقهى "البارومتر" (معقل الشيوعيين في الحمراء فيما يبدو) المعلقة على أحد جدرانه صورة زياد رحباني في مهرجان الانتصار مرتدياً طاقية "نصر من الله"؟ هل أتحدث عن ساحة النجمة التي تجمد قلبي عند دخولها بعد أن كان مشتعلاً أثناء رحلة صور؟ أم عن الفيلم التسجيلي الرائع الذي شاهدناه ضمن فعاليات "لقاء بيروت العالمي لدعم المقاومة"؟

مازلت مثقلة بتفاصيل التجربة... وعاجزة عن الكتابة عنها بشكل منظم أو مفيد، لكنني خشيت أن أنتظر حتى تهدأ مشاعري فتذهب معها الانطباعات الأولى وتختفي الدهشة.

فها أنا أسجلها: يا لبنان، لقد أدهشتني! أدهشني عطاؤك وصمودك .. وبقاؤك! وأذهلتني تناقضاتك إلى أبعد الحدود. أثبتَ قدرتك على التغلب على عدوٍ يأتيك من الخارج، وأدعو الله أن يحفظك من أعدائك في الداخل.

٠٤ نوفمبر ٢٠٠٦

فؤاد حداد رايح لبنان وواخدنا معاه :)

لإني لسه مش مستوعبة... ومخضوضة جداً وسعيدة جداً وخايفة جداً، ح اسيبكم أحسن مع التفاصيل، بدال ما اقعد اقول كلام ما لهوش معنى! إدعولنا بس نبقى قد المسئولية دي، وقد اللحظة دي...

لأول مرة في لبنان:

"إزرع كل الأرض مقاومة"
أمسية شعرية غنائية من أشعار

فؤاد حدَّاد

تقدمها فرقة "الشارع"
على مسرح قصر الأونسكو ببيروت
يوم السبت 18 نوفمبر/ تشرين الثاني
الساعة 9 مساءً
وذلك ضمن فعاليات "لقاء بيروت العالمي لدعم المقاومة"

الأمسية إعداد:
أمين حداد
الأغاني من ألحان:
سيد مكاوي
حازم شاهين
محمد عزت

(الجزء الخاص بحدوتة "الشاطر حسن" اشترك في تأليفه متولي عبد اللطيف عام 1963)

فؤاد حداد شاعر مصري من أهم شعراء العربية، ولد في عام 1927 وتوفي عام 1985.
كتب حولي 30 ديواناً معظمها من شعر العامية المصرية، كما كتب بالعامية اللبنانية والفصحى. وكان أول دواوينه "أحرار وراء القضبان"، الذي نشر في عام 1952، بمثابة انطلاقة مدرسة جديدة في شعر العامية المصرية.
أشعار الأمسية تم اختيارها من أعمال لفؤاد حداد كتبها بين عامي 1963 و 1982، مواكباً الأحداث الكبرى في الوطن العربي مثل حرب 1967 و1973 والحرب الأهلية في لبنان 1975 والاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982.

إزرع كل الأرض مقاومة
ترمي في كل الأرض جدور
إن كان ضلمة، تمد النور
وإن كان سجن، تهد السور
كون البادئ، كون البادئ
كل فروع الحق بنادق
غير الدم، ما حدش صادق
من أيام الوطن اللاجئ
إلى يوم الوطن المنصور
إزرع كل الأرض مقاومة

٢٠ أكتوبر ٢٠٠٦

صلاح جاهين مش كده (2)

بعد أن هدأت قليلا ثورة مشاعري المختلطة وأفسحت المجال للتروي، قررت حذف البوست السابق الذي كتبته عن موضوع تشويه صورة صلاح جاهين في مسلسل "سندريللا" و"حليم" وغضبي من هذين المسلسلين.

أنا مدركة تماماً إن اللي كتبته سابقاً كان رد فعل إنفعالي، وأشكر كل من حاول لفت نظري لذلك. فعلاً معالجة الموضوع بالشكل ده مش حتؤدي لحاجة أكتر من التنفيس اللحظي للمشاعر وهو ما شعرت إني محتاجاله ساعتها.
. أنا طبعاً مازلت غضبانة ومجروحة من التلفيق والصورة السيئة والكاذبة اللي اتقدم بيها صلاح جاهين في المسلسلين، لكني قررت أدي لنفسي وقت أفكر بذهن صافي في طرق لتحويل غضبي هذا إلى طاقة إيجابية.

في النهاية أشكر كل من علق وتعاطف وتواصل.. وباقول لكل أصدقائي والناس اللي انفعلت وغضبت زيي واعتبروا المسألة تمسهم شخصياً:

ما تزعلوش نفسكم، صلاح جاهين أكبر بكثير من كل التفاهات دي. الإيمان بده مش معناه التوقف عن مواجهة هذه المواقف وأمثالها، لكن حيدينا الثقة ويشجعنا على مواجهتها بثبات وفاعلية.

١٠ أكتوبر ٢٠٠٦

حازم شاهين.. وفرقة "مزيكا بس"

حازم شاهين... لما حاولت اتكلم عنه قبل كده ما عرفتش. وغالباً مش حاعرف دلوقتي كمان. ساعتها قلت "اللي بتقوله المزيكا اللي من القلب مش ممكن يقوله الكلام."

ساعتها ما كنتش لسه عرفت ان حازم كمان بيؤلف موسيقى وعنده مشروع موسيقي جاد إلى جانب فرقة "اسكندريللا" اللي بتقدم أعمال الشيخ سيد درويش والشيخ إمام ومؤخراً زياد الرحباني. طبعاً هو كان له تجارب سابقة مع التلحين والتأليف الموسيقي في أمسيات
زي"حاجات وحشاني" و"لازم تعيش المقاومة" والحمد لله الجمهور استقبله استقبال رائع. أذكر ان شريف نجيب قال لي حاجة عن حازم علقت معايا جداً بعد الأمسية اللي فاتت، قال ما معناه: "حاجة جميلة ان احنا أخيراً يبقى عندنا حاجة *بتاعتنا*" (صح يا شريف والا انا ذاكرتي خانتني؟) .. هو ده فعلا إحساسي بالضبط.. ان حازم *بتاعنا* بمعنى إنه جاي من عندنا . جاي من عند الشيخ سيد درويش والشيخ إمام وزياد وفي نفس الوقت ماهواش نفس الحاجة.. ومش واقع في فخ *تقليد القديم* ولا بيتاجر بسلعة *عصرنة القديم* وبالتالي تشويهه، زي ما كثير من الفرق بتعمل. حازم لما بيقدم القديم بيقدمه زي ما هو بقدر الإمكان.. ولما بيعمل جديد، بيبقى جديد بجد.

عايزين تسمعوا الجديد؟ الجديد ان حازم شاهين وهاني بدير(إيقاع فرقة اسكندريللا) ونوار(البيانيست) ومايلز دجاي (عازف الكونترباص اللي انضم مؤخراً لاسكندريللا) قرروا يعملوا فرقة *مزيكا بس*. للأسف المنتج اللبناني اللي تحمسلهم وقرر ينتجلهم ألبوم ما عجبهوش ان إسم الفرقة يبقى *مزيكا بس* لإنه في السوق العربية لما الإسم بيكون بالعامية المصرية الناس بتفتكر ان دي "موسيقى تجارية" (وكتر ألف خيرها بقى نانسي عجرم!). المهم الإسم بقى *مسار* وألبومهم الأول اتسجل بعنوان *العيش والملح*. الألبوم يشمل 4 مقطوعات من تأليف حازم وواحدة من تأليف نوار وواحدة من تأليف مايلز دجاي وارتجالات على أغنية لسيد درويش.


حفل إطلاق الألبوم حيكون يوم الأربعاء 18 أكتوبر في مسرح الجنينة، وده حيكون ضمن البرنامج اللي بتنظمه شركة الإنتاج والتوزيع اللبنانية لإطلاق أربع ألبومات جديدة من مصر لفتحي سلامة وفرقة الدور الأول ورياض عبد الجواد. مزيد من المعلومات عن هذا المشروع وعن مواعيد الحفلات على موقع المورد. الحفلات مجانية والاسطوانات متوفرة عند المدخل.







ده بالنسبة للمزيكا *بس*.. أما بقى آخر أخبار اسكندريللا فهي إنهم بعد تجربة ناجحة، قرروا يضموا بنتين معاهم في الفرقة هما آية حميدة والعبدة لله :) طبعا انا مش مغنية محترفة ويدوبك بافك الخط.. فماتتوقعوش كتير. لكن عايزة اقول لكم ان انا بالنسبة لي مجرد اني أكون جزء -ولو صغير- من التجربة الجميلة دي، محسسني بفخر واعتزاز وسعادة بالغة. حفلة اسكندريللا الجاية في ساقية الصاوي يوم 13 أكتوبر حيقدموا فيها أغاني جديدة منها حاجات بتاعتهم. لو خفيت من دور البرد الرهيب اللي عندي ان شاء الله ح اكون معاهم في الحفلة دي ولو ما خفيتش حكون في وسط الصالة باعدي الجمهور :)


وكل تجربة وكل محاولة وانتم طيبين...

٢٨ سبتمبر ٢٠٠٦

أنا باقول من بدري أهه!

يوم الجمعة 6 أكتوبر فيه أمسية "شعر وغنا" حتقدمها فرقتي الشارع واسكندريللا من أعمال فؤاد حداد وصلاح جاهين وسيد درويش، والأمسية من إعداد أمين حداد. فرقة الشارع دي اللي هي احنا برضه بس فيه حد عبقري إدالنا إسم بدل ما احنا ما نتسماش كده :)

المرة دي حيقوم بالإلقاء من أعضاء "الفرقة" أمين حداد وآية حميدة وعمرو عبد العليم وانا، واسكندريللا حيقدموا بعض أغاني لسيد درويش أول مرة يعزفوها.

الأمسية حتكون في المجلس الثقافي البريطاني بالعجوزة الساعة 9 مساءً

٢٣ سبتمبر ٢٠٠٦

عبّاد الشمس: كل عام ونحن منتصرون!

حدائق عباد الشمس نمَت مكان الخراب الذي خلفته إسرائيل في الضاحية الجنوبية...


جماهير المقاومة في مهرجان الانتصار 2006 - الضاحية الجنوبيةحقل زهور عباد شمس
...تلألأت وتطلعت إلى شمسها...

السيد حسن نصر الله يحيي جماهير المقاومة في مهرجان الانتصار 2006
..التي أطلت عليها من ساحة مهرجان الانتصار.


أقول لتلك الزهور الصفراء المشرقة -التي فاق عددها المليون ونصف زهرة- : يا أيتها الشموس الصغيرة، كل عام ونحن منتصرون! كل عام وأعيننا متطلعة إلى هذا الشرق المبهر.

دعوا "من يعتبر أنه هو الذي هزم والذي سقط يتحدث عن الهزيمة." دعوهم يتحدثوا... لكننا نحن -أنا وأنتم يا عباد الشمس، يا من تشبهون شمسكم- "نشعر أننا انتصرنا وأن لبنان انتصر وأن فلسطين انتصرت وأن الأمة العربية كلها انتصرت وأن كل مستضعف ومظلوم ومحروم ومعتدى عليه في هذا العالم أنه انتصر."

وكل شمس...

حسن نصر الله - مهرجان الانتصار 2006

وأنتم طيبون!
رمضان كريم :)

١٧ سبتمبر ٢٠٠٦

لنهزم الصمت! - تبث اليوم على الجزيرة والمنار

تظاهرة ثقافية عربية-عالمية من أجل فلسطين والعراق ولبنان يشارك فيها:

مارسيل خليفة (لبنان)، مي مصري (فلسطين)، خالد محمد علي (العراق)،برايتن برايتنباك (جنوب أفريقيا)، جون وليامز (بريطانيا)، أمين حداد (مصر)، خالد جبران (فلسطين)، روجيه عساف (لبنان)، فرقة الفنون (فلسطين)، كاميليا جبران (فلسطين)، يوسف أبو وردة (فلسطين)، علي عمرو وناي البرغوثي (فلسطين)

تشمل التظاهرة عروضاً حية وأخرى منقولة عبر الأقمار الصناعية اليوم الأحد 17 سبتمبر في قصر رام الله الثقافي الساعة الثامنة مساء ويبث العرض مباشرة على قناة الجزيرة مباشر.

التظاهرة فكرة وإنتاج مركز الفن الشعبي بفلسطين ومركز الأرموي لموسيقى المشرق وفرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، وبرعاية وكالة رامتان للأنباء.

٢٣ أغسطس ٢٠٠٦

نستله والصهيونية – حقائق / أرقام / تواريخ

عندما شاهدت برنامج عنها وعن مؤسستها في بيروت على قناة الجزيرة، وقعت في غرام تلك الأمريكية التي تتحدث بهدوء وثبات وبلغة عربية تطرب لها الآذان(*). تصفحت بعض مقالاتها على الإنترنت فزاد إعجابي بها و"بحملة مقاطعة داعمي إسرائيل". إليكم فيما يلي مقتطفات من مقال كتبته عن شركة نستله:

حقائق (**)


"نستله هي أضخم شركة صناعية سويسرية، بل وأضخم شركة للمواد الغذائية في العالم كله. وهذه المكانة البارزة لنستله تعني أن ما تفعله يشكل نموذج يحتذى لآلاف الشركات الطامحة الأخرى. فبحسب غرفة التجارة السويسرية فإن أحدى أهم العبر التي قدمتها نستله هي أن في مصلحة كل شركة في العالم أن تستثمر في إسرائيل"

"يقع أبرز موقع لشركة نستله داخل «إسرائيل» في منطقة سيديروت، وهي مستوطنة أنشئت عام 1951، على بعد كيلومتر واحد من غزة، لإسكان موجة من اليهود الشرقيين ولتوزيع الوجود اليهودي في كافة أرجاء فلسطين. وقد بُنيت سيديروت على أراضي بلدة «النجد» الفلسطينية، التي تعرضت لتطهير عرقي من قِبل العصابات الصهيونية عام 1948."

نالت شركة "نستله عام 1998 من رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو جائزة اليوبيل احتفاءً بمرور 50 عام على إنشاء دولة العدو، وهي ’أعلى وسام تعطيه دولة إسرائيل في حياتها تقديرا للأفراد الذين عملوا، وللمنظمات التي بذلت، عبر الاستثمارات والعلاقات التجارية، أقصى الجهود لتقوية الاقتصاد الإسرائيلي‘"

يتحدث المقال أيضاً عن "تاريخ من الإجرام" مثبت حول تعاملات شركة نستله منذ 1977، ثم تطرح الكاتبة في نهاية المقال سؤال "ماذا نطلب من نستله وكيف نقاطعها؟"
اضغط هنا لقراءة المقال كاملا، وهنا لقراءة مقال آخر لنفس الكاتبة عن شركة كوكاكولا
__________________

(*) الكاتبة هي «كيرستن شايد» – عضو في نادي الساحة الثقافي ببيروت ومجلة "الآداب" و"حملة مقاطعة داعمي إسرائيل" بلبنان.
(**) مصادر الحقائق مذكورة في النص الأصلي للمقال

٠٦ أغسطس ٢٠٠٦

Arundhati Roy, Zinn, Chomsky, Galiano & others support the resistance!

"We offer our solidarity and support to the victims of this brutality and to those who mount a resistance against it. For our part, we will use all the means at our disposal to expose the complicity of our governments in these crimes..."
By Tariq Ali, Noam Chomsky, Eduardo Galiano, Howard Zinn, Ken Loach, John Berger, and Arundhati Roy

Full text in English here

البيان باللغة العربية في الشارع السياسي

٠٥ أغسطس ٢٠٠٦

رسالة مارسيل خليفة إلى فناني الأونيسكو للسلام

مقتطفات من رسالة مارسيل خليفة إلى فناني الأونيسكو للسلام:

"أحملوا كلمة السر ألا وهي، كرامة الإنسان. دون كبير ضجيج أو استسهال وضعوها في حوزة مرحلة تجدف تجديفاً صعباً ضد القذارات المطلة من المحتلين وأسيادهم لتقتل الباقي فينا من سكرات الحياة."

"فلنغمد الفرح في الناس ونرفع عن صدورهم كربة الحرب المدمرة، بفرح يقارع الحزن وبأمل يؤجل اليأس وبأفق يفتح مجهولاً وبأخضر يوقف يباساً وبهمس يشع صمتاً... وبتجربة تعيد تعريف القضية بعد... إذا ضاعت في تلابيب الغموض."

"حكام الولايات المتحدة الأميركية والجرائم المنهجية، الثابتة الخبيثة، لا ندامة فيها وهؤلاء الحكام يرتدون كما يزعمون قناع القوة المدافعة عن الخير في العالم.
وحشية لا مبالية. إحتقارية قاسية لا ترحم. ولا تلقي بالاً الى الأمم المتحدة والقانون الدولي. والمجتمع الدولي بدوره يسكت عن كل هذا الإجرام ويتناسى. إجرام من حكام ’زعيمة العالم الحر‘.
لن نذهب بعيداً غزو العراق إرهاب دولي فاضح، يكشف إحتقار مطلق لمفهوم القانون الدولي.
كيف استطاع هؤلاء الحكام أن يصلوا الى حيث هم؟
زمرة من المتعصبين. جهلة، منافقين في حوزتهم السلاح المدمّر.
في حوزتهم السلاح المدمّر. كيف اغتصبوا كلمة الديمقراطية والحرية. وأشاعوا الفوضى في كل مكان. وتصفية كل مقاومة ممكنة من خلال وصمها بالإرهاب."

"شعبنا آثر المواجهة، ولم يقبل الاستسلام.
مواجهة يدرك قساوتها ولكنه يدرك أبعادها وعظمتها ونبلها ويدرك معنى ان ينهض لمواجهة العدو الإسرائيلي الذي يلجأ الى تدمير ذوقنا وتفاصيل حياتنا، ويستبيح عيشنا."

"فلننخرط فعلياً في الشغب الذي لا بد منه، ولا مهرب منه، لنتمكن من المساهمة في الإجابة، على الأسئلة المطروحة، ولكي نصل الى التعبير عن قضايا العالم."

"فلنصرخ جميعاً بأعلى الصوت: لا لهذا العدوان البربري على لبنان. لا لشريعة القتل والقوة والغطرسة والاستعلاء التي تخوضها إسرائيل وأميركا علينا وعلى العالم. وليقف كل الشرفاء والأحرار في العالم، وكل أبناء الوطن العربي، ضد هذه الجريمة، استنكاراً لها واحتجاجاً عليها. إن الصمت عار علينا جميعاً... وسيحاسبنا التاريخ."

٢٨ يوليو ٢٠٠٦

ماذا يقول الرجال اليوم (2)

يقول الدكتور شريف حتاتة في العدد الصادر أول أمس من جريدة الأهالي:

"المطلوب من الشعوب إذن هو أن تصمت، ألا تفعل شيئاً لإيقاف الجريمة التي ترتكب، ألا تتحرك ضدد العدوان السافر الواضح الذي تشنه إسرائيل على شعب ’لبنان‘، أن تكون الشعوب أيضاً بشكل أو بآخر شريكة في العدوان مثل الحكومات العربية التي تُوجه هجومها على ’حزب الله‘ و’سوريا‘ و’إيران‘، أن تتحدث مثلها عن توسع ’شيعي‘ في المنطقة وتنسى التوسع الإسرائيلي، ألا تنظم صفوفها، أو تتظاهر، أو تنتزع حرية الحركة ضد أعداء الشعوب العربية الدوليين والمحليين، وألا تساند المقاومة اللبنانية إلى أن يتقرر إيقاف إطلاق النار، ومواصلة المؤامرة على شعب لبنان بوسائل أخرى ’دبلوماسية‘.

"لكن لنكن واضحين. ليس بيت القصيد أن نوافق أو لا نوافق على سياسات ’حزب الله‘ أو ’سوريا‘ أو ’إيران‘، أو أن نميل أو لا نميل إلى تيارات الإسلام السياسي بمختلف أنواعها، لكن بيت القصيد هو أن نكون ضد المعتدي وضد العدوان. إنها مسألة مبدأ لا يمكن أن نحيد عنه. فكيف ننسى أننا المعتدى عليه باستمرار؟ إنه من المضحك أن يُعتبر ’حزب الله‘ هو المعتدي لأنه أسر جنديين من إسرائيل مقابل مئات الأسرى الموجودين في سجون هذا البلد الذي لم يكف عن القتل والدمار."

"لابد أن نكون ضد العدوان على شعب ’لبنان‘، أن نعلن هذا بوضوح، وأن نتخذ خطوات عملية في ذات الاتجاه، أن ندعم المقاومة بكل الوسائل التي لدينا، ألا نسمح لليأس بمواصلة زحفه على معناوياتنا، أن نرده على أعقابه بإصرار، أن نكشف التضليل الذي تنشره وسائل الإعلام وتصريحات الحكام، أن نعي مصالحنا جيداً فالذين يتبارون في تقديم الحجج حتى لا نواجه العدوان ظناً منهم أنه يمكن الإفلات من المخاطر القادمة بالتأجيل، أو الاستسلام، أو المساومة، بالاتفاق الواضح أو المستتر مع العدو، إن أمثال هؤلاء واهمون."

يقول الشاعر مريد البرغوثي في نفس العدد من جريدة الأهالي:

"ما أريد أن أقوله إن هذه الأنظمة لا تخشى فشل السيد بل تخشى نجاحه. ليذهبوا إلى الجحيم. أنا الفلسطيني الذي يأخذ الحياة والعقل والشعر مأخذ الجد أقول إني بحاجة إلى لحظة كلحظة السيد حسن نصر الله التي نعيشها اليوم. أنا بحاجة لوقفته في مواجهة العدو، ولا يضيره أن السياسيين السعداء وضعوا خصالهم في مواجهته. السيد على حق في الحالتين: إن كانت لحظته هذه صواباً سياسياً فهي لحظة بطولة، وإن كانت مغامرة وخيالاً فهي بالتأكيد، ورغم تكاليف باهظة قد تطاق وقد لا تطاق، ستنجب لحظة أخرى في المستقبل، وستشكل سابقة أمام الأجيال التي يتشكل وعيها الآن، سابقة تقول لهم إن كان التذلل للعدو والشعور بالهوان أمامه جزءاً من "موازين القوى" فإن "الشعور بالكرامة" جزءاً من موازين القوى أيضاً."

يقول الكاتب فهمي هويدي في العدد الصادر أول أمس من جريدة الدستور:

"المقاطعة مهمة جداً، وأنا مصر على أنها تزكي الشعوب، وتضر بمصالح الأعداء، فموقف المقاطعة هو الفعل الإيجابي الذي يمارسه المجتمع لإعلان غضبه واستنكاره إزاء موقف معين، فأنا بالمقاطعة (أمتنع عن شيء)، ومجرد الامتناع هو تعبير عن موقف نبيل ومتحضر، وإصرار على الإضرار بمصالح القتلة."

يقول المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي نقلاً عن قناة الجزيرة:


"إن العدوان الذي يتعرض له لبنان حالياً هو غزو إسرائيلي أمريكي، لأن الشعب اللبناني يُضرب بصواريخ أمريكية وبطائرات صنعت في الولايات المتحدة.

واعتبر تشومسكي قيام فصائل فلسطينية بأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط في قطاع غزة، وقيام حزب الله بأسر جنديين إسرائيليين جنوب لبنان، رد فعل طبيعي للعنف الإسرائيلي الذي يمارس ضدد الفلسطينيين.
وأضاف أن حزب الله ربما لم يرد أسر الجنديين، لكنه فعل ذلك تضامناً مع الشعب الفلسطيني ولإجبار تل أبيب على تسليم الأسرى الفلسطينيين واللبنانيين إلى ذويهم."

والبقية تأتي...

٢٧ يوليو ٢٠٠٦

في المظاهرة الناس كانت بتقول بالصريح

أنا أكيد مش خبيرة مظاهرات لكن أكيد أقدر أقول التالي:

شفت ناس من معظم التيارات المصرية موجودين وفي نفس الوقت كان فيه ناس كتير شكلهم مش منتميين لتيار معين لكن جايين عشان موافقين على شعار المظاهرة "المجد للمقاومة" وجايين يتضامنوا مع لبنان . كان واضح في الأول ان كل تيار له هتافاته اللي عايز يفرضها بس في نفس الوقت لاحظت ان معظمهم كانوا بيحاولوا يوحدوا الهتاف. كانوا بينجحوا في معظم الأوقات بس بعد حوالي ساعة الا ربع ولما الدايرة اللي الأمن كانوا عاملينها حوالينا وسعت أكثر، المجموعات انفصلت عن بعض شوية وبقت كل مجموعة بتقول هتافاتها.

الأمن طبعا كان مسخرة! وصلنا الميدان الساعة خامسة ونص (يعني قبل ميعاد المظاهرة بنص ساعة) ولقينا الميدان بكل ركن فيه ملغم برجال الأمن والمخبرين –اللي ناقص يكتبوا على صدرهم "مخبر سري"- ومجموعات صغيرة شكلهم بلطجية واقفين متأهبين على نواصي الشوارع المؤدية للميدان. أنا مش بابالغ: كل مترين بالكتير كان واقف مخبر أو رجل أمن. وكل ما نقف شوية في حتة –كنا أربع أشخاص بس في الأول- "واحد ييجي يقول لنا ممنوع الوقوف هنا يا كابتن" أو "إنتو تبع تنظيم إيه؟" أو "إنتو واقفين هنا ليه؟" طبعاً احنا حسّينا ان الموضوع شكله ما يطمنش وشكلهم كده مش حيسيبوا الناس تتجمع.

لكن الناس اتجمعت ومرة واحدة سمعنا كمال خليل بيهتف وكل الناس جريِت ناحيته وكانوا كتير. تفاوتت التقديرات، تميم وعمرو قالوا إن المظاهرة في أوجها مش ممكن تكون تعدّت ألف شخص. أنا ودكتورة رضوى عاشور كنا حاسّين انهم كانوا أكتر من كده. على العموم حتى لو كانوا وصلوا لألف فأنا أعتقد إن نظراً للظروف الأمنية الفظيعة وغياب طلاب الجامعة الأمريكية –عشان الأجازات- وغياب الإخوان المسلمين (كان فيه أفراد منهم بس ما كانش فيه مجموعة كبيرة واضحة من الإخوان ولا شفت شعاراتهم أو علمهم بكثرة)، لو نظرنا لكل الظروف دي فأكيد نقدر نعتبر المظاهرة كانت ناجحة.

رُفعت أعلام لبنان وفلسطين ومصر وطبعاً صورة حسن نصر الله مكتوب عليها "رمز المقاومة العربية"

أما عن أكثر الهتافات اللي سمعناها ورددناها فكانت:

"يا نصر الله يا حبيب، إضرب إضرب تل أبيب"

"بالروح بالدم نفديك يا لبنان"

"الله هالله هالله هالله، شد حيلك يا حزب الله" (وساعات يا نصر الله)

"يا بو هادي يا بطل، إنت بتحرر وطن"

"يا نصر الله اطلب تلاقي، في القاهرة مليون فدائي"

"بنرددها جيل ورا جيل: بنعاديكي يا إسرائيل"

"واحد... إتنين، الجيش العربي فين"

"اللي بيضرب في لبنان بكرة يضرب في أسوان"

"اللي بيضرب في بيروت بكرة يضرب في أسيوط"

"اللي بيضرب في العراق بكرة يضرب في الورّاق"

"حسني مبارك وعبد الله باعوا يا ناس حسن نصر الله"

"آدي الأبطال - يا مقاومة
على خط النار- يا مقاومة
وفي فلسطين - يا مقاومة
حماس طالعين - يا مقاومة"
(دي ليها كمالة بس طويلة فماعرفتش أحفظ منها غير الحبة دول)

"يا مبارك يا جبان يا عميل الأمريكان"

"يسقط يسقط حسني مبارك"

"علّي وعلّي وعلّي الصوت.. اللي حيهتف مش حيموت"

"علّي وعلّي وعلّي كمان.. ضدّ صهاينة وأمريكان"

"أول مطلب للجماهير.. قفل سفارة وطرد سفير"

"مقاومة مقاومة مقاومة مقاومة"

"مقاومة مقاومة مقاومة مقاومة"









٢٤ يوليو ٢٠٠٦

ماذا يقول الرجال اليوم

يقول الأديب بهاء طاهر في العدد السابق من جريدة العربي:
"فويل لناس حلمهم مشبوه وويل لهم يوم تحاسبهم الشعوب، كان بوسعهم على الأقل أن يصمتوا وهم يرون غضب شعوبهم لما ينزل بأخوتهم في لبنان..."
"ولكن المقاومة اللبنانية كما قال سيدها وبطلها حسن نصر الله، لا تعوّل على هؤلاء الحكام، وإنما تدفع بالدم ثمن الحرية واثقة أن النصر آت آت بإذن الله."
"يقف لبنان صامداً فتحية لأبطاله والمجد لهم."

يقول د.تميم البرغوثي في العدد السابق من جريدة العربي:
"أقول كلامي هذا دارساً للعلوم السياسية، لا شاعراً ولا وطنياً ولا عربياً ولا مسلماً: إن المقاومة الإسلامية الجناح العسكري لحزب الله اللبناني، بقيادة أمينه العام السيد حسن نصر الله قد قضت على دولة إسرائيل. وقد يبدو الكلام للوهلة الأولى أماني وأحلاماً أو مبالغة خطابية، غير أنني أعني ما أقول تماما، وسأبين أدناه لماذا أعتقد أن حزب الله سينتصر في هذه الحرب، ولماذا أعتقد أن انتصاره فيها سيؤدي، بقوة المثل والنموذج، إلى القضاء على إسرائيل ولو بعد حين."


يقول الشاعر سميح القاسم لقناة الجزيرة ما معناه:
"لأول مرة في حياتي أمشي مرفوع الرأس في إسرائيل."

والبقية تأتي...

٢١ يوليو ٢٠٠٦

٢٠ يوليو ٢٠٠٦

يا أيتها المقاومة .. صباح الخير

يا صـابـر الصبـر الجميل الله مَعَـك
ما أروعـك يا شعبـنا ومـا أشجعـك
جرحك فلسطـين يِوْجَعك تزداد وجـود
وتحول الأحـزان بـارود في مصنعـك
والله مـعـك .. الله معـك .. الله معـك

الفجـر طالع مين يحوشه من الطلـوع
ويا شعب يا ممنوع يا ويل من يمنعـك
الله مـعـك .. الله معـك .. الله معـك

صلاح جاهين
_____________

يا دمعة العين ما تخافيش تجري
لابد منك في الحماس الحق
الدنيا صيف والجو مش أخضر
والموت ماهوش في صفحة الوفيات
ولابد من إتنين
الجوع وناكل
العطش ونشرب
الحياة والموت
الهزيمة وننتصر
الصبر

لكن مافيش صبر في الدنيا يقدر
وان كنت عمري ميت سنة
وان كنت ميت ألف لاجئ
مافيش صبر في الدنيا يقدر
يفطمني عن وطني

فؤاد حداد
_____________

يا أيها الرجال
أريد أن أعيش أو أموت كالرجال

أصبح عندي الآن بندقية
قولوا لمن يسأل عن قضيتي
بارودتي صارت هي القضية


نزار قباني
_____________

الآن سترون من نحن و فيم نفكر
نحن فضة الأرض النقية
معدن الإنسان الحق
نجسد حراك البحر الدائب
دعم كل الآمال
و لحظة في الظلام لا تسلبنا النظر
و دونما عذاب سنلقى حتفنا

بابلو نيرودا
_____________

Until the philosophy which holds one race
superior and another inferior
is finally and permanently discredited and abandoned,
Everywhere is war. Me say war!

Bob Marley

٠٩ يوليو ٢٠٠٦

صليب كل يوم

في البدء كانوا يأتونني في النوم.

أراهم يبكون تارة ويصرخون في غضب تارة. يعيدون علي نفس الكلام بصور مختلفة وكأنني لا أفهم! أفهمكم والله أفهمكم وينفطر قلبي لآلامكم! لكنكم مجرد شخصيات في روايات وكتب. وُجَدتم بالفعل أو لم توجَدوا وكنتم حقاً على حقٍ أو لم تكونوا، هذا ليس الموضوع! ولا يهم إطلاقا! فأنتم الآن لستم هاهنا! آلامكم وأحلامكم لم تعد موجودة، فماذا تريدون؟!

ثم جاءوني في وضح النهار...

بينما كنت منهمكة في قراءة تلك الرواية البديعة تسللوا وخرجوا منها في هدوء وساروا محملين بهمومهم وحكاياتهم والآلام. سافروا وعبروا الحدود والأزمنة حتى وصلوا إلى باب شقتنا. دقوا على الباب ولم ينتظروا الرد ولم ينتظرني الباب... انفتح لهم على مصراعيه وكأنه كان يعلم بمجيئهم وينتظرهم. دخلوا ووقفوا ثوان يتأملون المنزل ويحدد كل منهم وجهته..

ثم انطلقوا.

اتجه قائدهم بخطوات هادئة واثقة نحو حجرة نومي ثم استلقى على فراشي وجسده يتصبب عرقاً ودما وأحزان. سارت خلفه مجموعة من النساء في ثياب مهلهلة ورجال أشداء يلملمون جراحهم ويلعقونها لبعضهم البعض كالقطط الضالة. عرفت منهم قصتهم وعرفت أنهم قد عادوا لتوهم من كل المعارك، ذائقين كل أنواع الذل، ناصرين كل ذي حق، مرفوعي الرؤوس، منكسي الأعلام... وأحضروا معهم كل من صادفهم في طريقهم من أناس يشبهونهم. دخلت وراءهم وضمدت جراحهم جميعاً. مسحت أقدامهم بدموعي وجففتها بشعري وكان القائد يراقبني بعينين متعبتين لا تخلوان من عزيمة، حتى انتهيت فناداني... جلست تحت قدميه ووضع يده على رأسي ثم تنهد.. وتبسم. رفعت عيني لأتأمل وجهه حتى أتمكن من وصفه فيما بعد ... فكان السيد المسيح عيسى بن مريم وكان محمدا بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، محارب عائد بجيوش المظلومين في الأرض ينظر إليهم في حنو وتحثهم عيناه على الصبر والجلد.

أما القساوسة والشيوخ فكانوا قد توجهوا إلى غرفة المعيشة وأخذوا راحتهم بعد انتهائهم من تفتيش المنزل. صادروا النبيذ والكتب وجلسوا يعبثون بسبحهم وصلبانهم الذهبية وانقسموا على أنفسهم في مجموعات وانتشروا في كل أركان المنزل.

ألقيت عليهم نظرة لا مبالية ولم ألق السلام.. فقد كان قلبي منشغلاً بآخر المدعوين. لم أره يدخل من باب الشقة ولم أجده في أي مكان.. لكنني كنت أعلم أنه قادم لا محالة فجلست في انتظاره بذراعين متأهبتين.

كم كنت ساذجة بلهاء! انتظرت وانتظرت وبحثت عنه في كل مكان! ولم أدرك طوال هذه السنوات أنه كان حبيسا مسجونا يرجوني أن ألحظه! يراهن على ذكائي وينتظرني! وكم كان رحيما غفورا عندما وجدته بداخلي! كان رحيما، غفورا، عادلا، كريم...

كان متربعاً في قلبي ينتظر دموعي لترويه... تفتح في قلبي رويدا رويدا فصرت أراه في كل شيء.
رأيته زهورا وبحارا وسماء،
ورأيته سلاحا في يد رجل يدافع عن أرضه،
كان عيونا تبكي الشهداء،
وكان الحق الواضح الذي لا يفرض نفسه،
كان نفسي التي طالما اشتقت إليها..
وكان جميلا يحب الجمال...

ركضت نحو منزلنا لأخبرهم جميعاً وأحررهم من سجونهم وشكوكهم. أردت أن أُعلِمهم أنني الآن أعلم أنهم موجودون. أعرف أنهم هنا وأرى آلامهم وأحلامهم! أردت أن أطمئنهم أنه هو أيضاً موجود وأنه في كل مكان! وأنه قادم! قادمٌ لا محالة!

وعندما وصلت وجدتني كما تركت نفسي على كرسيٍ وحيدٍ في ركن الصالة أقرأ آخر صفحة في الرواية. أتباطأ حتى لا أنتهي منها. أتباطأ حتى أفهمها. أتباطأ حتى لا أصل إلى نهايتها فأفهمها. لا أريد أن أفهمها! لا أريد أن أراهم يرحلون!

انتهت الرواية ودقت أجراس الحداد...

فالأحباب جميعا، قد صلبوا على نفس الصليب. كلهم صلبوا! وكل يوم يصلبون... وينتقلون إلى الرفيق الأعلى.. ويقام العزاء بجوار منزلنا بميدان الثورة.. كل يوم.

____________
* كتبت فور انتهائي من قراءة رائعة كازانتزاكيس "المسيح يصلب من جديد"

٠٤ يوليو ٢٠٠٦

وخلّي قلبَك عمره ما يسامح


"U.S. soldiers at the scene initially ascribed the killings to Sunni Arab insurgents active in the area, the U.S. military and local residents said. That puzzled villagers, who knew the family was Sunni, Janabi said."

"Three months after the incident, two soldiers of the 502nd came forward to say that soldiers of the unit were responsible, a U.S. military official said last week."

No comment...

١٥ يونيو ٢٠٠٦

خبر لقراء حسام فخر!

حسام فخر مؤلف مجموعة "وجوه نيو يورك" ورواية "يا عزيز عيني" بقى عنده بلوج! ألف مبروك يا حسام! ما ينفعش تنشرلنا واحدة من مجموعة "حكايات أمينة" تصبيرة كده لحد ما تتنشر؟

٣٠ مايو ٢٠٠٦

فرح يخلي الحزن يتّاخر

بدل ما أعِد الخرفان امبارح عشان أنام قعدت أعد في الحاجات اللي بتفرحني. أحلى حاجة في الموضوع هي إني فرحت فعلا ... مع إني بقالي فترة المشاكل والإحباطات مسيطرة على تفكيري. أشكرك يا محمد على إنك دبستني في التفكير في أشياء مفرحة، وربما كان هذا أفضل علاج للحالة اللي أنا فيها. الواحد فعلا ما كانش واخد باله ان فيه حاجات كتير قوي كده بتفرّح. أكيد مش ح اقدر أقولها كلها..

منها مثلا اني أكون في سيرة صديقة عزيزة جدا مسافرة بعيد وواحشاني وألاقي التليفون بيرن زي ما حصل امبارح

ومنها اني أكون متأكدة إن مهما يحصل طول النهار وأياً كان مسار اليوم وأيا كانت الإحباطات اللي بقابلها، فيه لحظة أمان وسعادة خالصة حتيجي في آخر اليوم لما باحط راسي على صدره وأنام

بيفرحني كمان يوم الجمعة بكل تفاصيله: شوارع القاهرة الهادية، مشوار كوبري 6 أكتوبر من المهندسين لمدينة نصر لتناول وجبة حنان دافئة عند حماتي، عيون عمي أحمد المرحبة دائماً وابتسامته الشقية.. والأبوة اللي لقيتها فيه، فنجان القهوة بعد الظهر مع فاكهة الموسم..

بيفرحني منظر الصينية عليها كبايات شاي كتير عند الحاجة ذكية وكل حبايبي قاعدين حواليّ وولادهم قالبين البيت حديقة أطفال .. وبناتهم اللي كبروا شوية ولابسين توكة لون الفستان وبيغنوا "قلبي بيزغزغ روحه بروحه .. علشان يمسح منه التكشيرة" .. وولادهم اللي كبروا أكتر وبيكتبوا شعر بيوجع

بيفرحني كيس الفشار في السينما

بيفرحني حضن أخويا وصوته

بتفرحني قصيدة جديدة كتبها أمين

بافرح لما اسمع ضحكة أمينة وصوتها لما تغني، ولما اتكلم تفهمني من غير ما اشرح.. ولما اسكت ما تمشيش وتفضل جنبي لحد ما كل شيء يتصلّح

بيفرحني شغلي لما اعمله صح

بتفرحني الأجازة... وبيفرحني السمك، نَيّ أو مطبوخ!

بتفرحني حكايات عمتي

بافرح لما الوجع يطلع في قصة جديدة، أكتبها وتطلع حلوة فأفرح وأنسى الوجع..
بيفرحني شعر فؤاد حداد

بافرح لما صحابنا يجولنا البيت والوقت يجري كأنه ثواني

بتفرحني سهرة مع ناس ما اعرفهمش وتخلص واحنا صحاب

بتفرحني هلِّة سلمى ودخلة حاتم علينا قائلا "بونجور!"

بتفرحني
رحاب لما بتبقى قريّبة

وبتفرحني نجلا من يوم ما بقينا صحاب... لما كنا في المصيف وخرجنا خلسة نشرب سيجارة وتوهنا ساعتين لغاية ما لقينا البيت. بتفرحني كل ما اشوفها

بافرح لما يقولولي اني في شبه من منال

وبافرح بحفلة اسكندريللا و باليه كسارة البندق

بافرح بالرقص عموما..

بيفرحني صوت ام كلثوم يفاجئني وانا ماشية في شوارع مدن عربية زي بيروت وعمان وفاس

بيفرحني الشجر اللي في شارع سليمان أباظة

بتفرحني سعادة أمي

بافرح لما عمرو يقرالي شعر ويسمعني مزيكا ويغنيلي أغاني ما اعرفهاش

بافرح لما افتِكِرنا واحنا بنرقص في الشارع في نص الليل

أو بنغني في العربية بصوت عالي

بافرح بصورة فرحنا واحنا باصين لبعض

وبصورة ولادنا في خيالي...

أنا ما باحبش أدبس حد في حاجة.. بس بصراحة أنا استمتعت بتذكر الحاجات دي وأحب كل الناس اللي باحبهم يعيشوا هذه التجربة. خصوصاً عمرو وعبد الحق ورحاب وحسين وعمر وهبة.. وناس تانية كتير بس مش عايزة "أدبس" الناس في حاجة لو مش عايزين يعملوها. براحتكم يعني! :)
_______________
تحديث: نسيت حاجة تانية مهمة جداً بتفرحني: تقاطيع عبد السلام النابلسي ياختي عليه وعلى جماله!

١٩ أبريل ٢٠٠٦

* قِزاز.. لكن زي المراية

رأيناها من على بعد تلوح بيديها في الهواء كالغرقى من خلف حاجزٍ زجاجيٍ هائل. كالسيوف قطعت يداها حديثنا البهيج. كنا نمرح ونلهو ونتبادل نكات حفظناها وتناسيناها.. حفاظاً على أمزجتنا من كدر الحياة. كنا سائرين متشابكي الأيدي متناسقي الألوان... لا تبدو علينا غربة ولا أحزان. ففي كل صباح ننهض من فراشنا، نخلع عن أجسادنا الكوابيس ونكسوها بأقطان وحرائر ناعمة ونبدأ معا – كل على حدة – رحلة فقدان الذات اليومية. لا صعوبة فيها.. فكل الطرق ممَهَّدة وجميعها تؤدي إلى روما.. أو إلى النادي... أو المقهى الأمريكي.. أو الفيلم الأمريكي.. أو الحلم الأمريكي. وما أهمية الطريق أو المكان المقصود على كل حال؟! المهم الصحبة! المهم الضحك والمرح والنسيان!

كيف جرؤَت تلك الحمقاء إذا أن تلوح بيديها هكذا قاطعة خيوط أفكارهم؟ كيف اعتقدت أنهم سيستجيبون؟ ألم تكن تعلم أن الأشياء تبدو أقرب حين نراها من خلف الزجاج؟ ألم تدرك بفراستها وذكائها ومحاولاتها عبر السنين أن نداءها غير مسموع وأنه لم تعد هناك أرواح في أجسادهم الناعمة لتستجيب؟

مررنا من أمام السور الزجاجي ولوحنا بأيدينا مبتسمين. حاولنا! حقاً حاولنا، لكنها لم تضحك على نكاتنا ولم تسمع أغانينا. تسمرت في مكانها وبدأت عيناها في التحول إلى كرات زجاجية .. ومن عينيها إلى وجهها ثم عنقها ثم صدرها، في ثوانٍ أصبح جسدها كله تمثالاً من الزجاج الشفاف، امتزج بالحاجز الزجاجي الذي يعزلها عنا.. فلم نعد نراها.

تنفسنا الصعداء وذهبنا آمنين مبتهجين... لا تبدو علينا غربة ولا أحزان.


___________________
* العنوان مقتبس من قصيدة فؤاد حداد "الفن مملكة"

١١ أبريل ٢٠٠٦

ذنوب

في يوم ما سأتخلص من هذا الجهاز البشع الذي أجلس أمامه كل يوم أتعاطى البرامج السخيفة والأخبار الكئيبة والمسلسلات المملة. وقبل أن أتخلص منه سأطعن هذه الأريكة التي تجلس لا مبالية أمامه... سأطعنها بسكين عريض مدبب الرأس وسأطرب لصوت القماش الثقيل وهو يتقطع... سأرجم اللوحات التي شاخت على الحائط و أنهش المكتبة الخشبية القديمة بأظافري حتى تدمى. سأدمر هذا المكان وأتخلص من كل شيء ارتبط بهذا الجهاز اللعين. أكره هذا القبيح وألومه على تأخري عن كل شيء! ألومه على سلم الكتب المهجورة بجانب فراشي وألومه على أوراق كراساتي البيضاء التي فارقها القلم. أحمله ذنب هجري لشوارع القاهرة القديمة التي اعتادت أن تراني أجوبها ويدي في يد حبيبي، وذنب المسرحيات وأفلام السينما والأمسيات التي فاتتني. ألومه و ألومه وحده على فقدي كل أصدقائي واحدة تلو الأخرى .. واحداً بعد الآخر. سألومه وأعاقبه أشد عقاب... فما عادت كتفاي تقويان على تحمل ثقل كل هذه الذنوب.

٠٤ أبريل ٢٠٠٦

تصغير الكبراء والتنوير الزائف!

البحث التالي بعنوان "تصغير الكبراء" من كتاب "التنوير الزائف" للدكتور جلال أمين الصادر عن دار العين للنشر:

زاد في العقدين الأخيرين عدد الكتابات المنشورة في مصر التي تتناول بعضا من أغلى المقدسات لدى المصريين، بأقل من الاحترام الواجب لها. والظاهرة مؤسفة كما أنها مدهشة وداعية للتأمل. فليس صحيحا أن هذه الظاهرة تعبر عن اتجاه قديم وطبيعي يتصاعد باستمرار، أو أن المعبرين عن هذه الظاهرة لا يفعلون أكثر من استكمال مسيرة متواصلة من "الإصلاح". على العكس من ذلك: إن الظاهرة تظهر وتخبو، تقوى ثم تضعف، مما يوحي بأن هناك بعض الظروف الاجتماعية التي قد تكون مسئولة عن اشتداد قوة هذا الاتجاه أو أفوله. ناهيك عن القول بأن هذه الظاهرة تمثل جزءا من حركة "التنوير" في الثقافة المصرية.

إن المعبرين عن هذه الظاهرة يحبون بالطبع أن تشخص أعمالهم هذا التشخيص، فتدرج تحت شعار يوحي بالتقدم والإصلاح، إذ لا يعادي "التنوير" إلا رجعي متخلف جهول. وإدراج أعمالهم تحت شعار التنوير من شأنه أن يجعل أسماءهم تذكر مع أسماء لها لدى معظم المثقفين المصريين سحر خاص واحترام كبير، كأسماء: رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين ولطفي السيد وطه حسين، فضلا عن أنه يضمن لهم احتفال وسائل الإعلام الغربية بهم، وقد يعني هذا شهرة عالمية، أو على الأقل تلقي الدعوات بصفة منتظمة لحضور المؤتمرات التي تعقد في بلاد ذات أسماء ساحرة بدورها، لمناقشة آخر ما يحدث من تطورات في بلادنا التعسة.

هذه الظاهرة التي أقترح تسميتها بظاهرة "تصغير الكبراء"، ليس لها في رأيي أي نسب بعملية "التنوير"، إذا أعطينا كلمة التنوير معنى يتفق حقا مع هذه الكلمة المضيئة والنيّرة، أي معنى العلم بعد جهل، والحكمة بدلا من الحماقة والنزق، والاهتداء إلى الطريق الصحيح للنهضة بعد عهد طويل من الضلال.

ذلك أني لا أرى أي جاذبية خاصة في أن يتناول الكاتب شيئا يتمتع باحترام عام لدى الناس فيحاول هدمه هدما، ويشجع الناس على التمرد عليه والسخرية منه. ولا أجد أي سبب للشعور باحترام خاص لكاتب يجعل كل همّه إبراز نقائص شخصية تاريخية عظيمة، اتفق الناس على حبها واحترامها، والاهتمام اهتماما خاصا بتفاصيل صغيرة، من النوع الذي يشترك فيه الناس جميعا، ولا تميّز شخصا عن آخر، فيسلطون الضوء عليها ويضخمونها على حساب الصفات العظيمة حقاً، والتي تميز حقاً بين العظيم والحقير.

ثم إني لا أجد أن هذه الكتابات مما يندرج تحت ظاهرة "تصغير الكبراء"، تحتاج إلى كاتب ذكي ذكاء خاص، أو محقق بارع يتمتع بدرجة متميزة من الصبر والجلد على الدرس، أو قدرة فائقة على الإحاطة بما لم يحط به المتقدمون، أو مهارة نادرة يفتقر إليها من يحترم مقدسات أمته. وإنما يحتاج إلى سلاطة لسان، ورغبة قوية في لفت الأنظار، وجمع بعض التفاصيل التي يأنف الذوق السليم من الوقوف عندها، وميل شديد إلى الحصول على رضا الأجانب، ولو على حساب أهله وقومه. بعبارة أخرى يحتاج هذا الميل الشديد إلى تصغير الكبراء إلى نفس صغيرة بدورها، تتلذذ تلذذاً خاصاً بأن تجعل الشخصية الكبيرة تبدو صغيرة مثلها.

والأمر هنا له شبه بما نعرفه عن بعض الناس الذين يجدون متعة زائدة، وتلذذاً خاصاً في الكلام عن نقائص الآخرين من وراء ظهورهم، ويميلون إلى نسيان كل فضائل الآخرين مع التضخيم من أي هفوة صغيرة سمعوا بها عنهم، صحيحة كانت أم كاذبة.

***

هذه الظاهرة، ظاهرة الميل إلى تصغير الكبراء، ليست بالطبع ظاهرة خاصة بنا وحدنا، بل يعرفها تاريخ أمم غيرنا، بما في ذلك تاريخ تلك الأمم المعروفة بالمتقدمة، والتي ننقل عنها في العادة آخر "موضاتها" الفكرية والمادية. شاع هذا الميل مثلا في بريطانيا في العشرينات من هذا القرن، بعد نشر ليتون ستراتشي كتابه المشهور بعنوان "شخصيات بارزة من العصر الفكتوري"، وفي ألمانيا في نفس الفترة بعد أن نشر إميل لودفيج تراجمه لنابليون وجوته والمسيح، وحمل لواء هذا الاتجاه أيضاً أندريه موروا في فرنسا وهنري آدامز في الولايات المتحدة، هؤلاء الذين وصف أحد علماء الاجتماع الكبار أعمالهم بالعبارات التالية، والتي تذكرك بشدة بما دأب بعض كتابنا على فعله خلال العشرين سنة الماضية:

"إنهم يحطمون ويحقرون أية شخصية يتناولونها، مهما كانت سامية. كل شيء تلمسه أيديهم (سواء أكان الذي يتكلمون عنه هو الله نفسه، أو شخصاً نبيلاً، أو إنجازاً عظيماً) يفسرونه تفسيراً ساخراً بحيث يظهرونه في شكل سلبي أو عادي تماماً، أو يظهرونه كشخص شاذ أو مريض بمرض نفسي، أو مدفوع بدوافع دنيئة وأنانية، أو (وعلى الأخص) بدوافع فسيولوجية. العبقرية تتحول على أيديهم إلى نوع من الجنون، والتضحية المجردة من الغرض يفسرونها كنوع من الشعور بالنقص، أو بعقدة أوديب، أو بالنرجسية، أو غيرها من العقد النفسية، ويفسرون العمل النبيل من أجل المجتمع على أنه استجابة لغريزة القطيع. والدوافع الأساسية في نظرهم هي الغريزة الجنسية، وانفصام الشخصية، وعقدة الاضطهاد. أما القديسون فيصورونهم على أنهم أشخاص معتوهون، والزعيم الوطني المحبوب يصورونه على أنه شخص يعاني من ميول جنسية غير طبيعية، والورع يعتبرونه جهلاً وتسليماً بالخرافات، والاستقامة الخلقية يعتبرونها نفاقاً، والإنجاز المتميز يردونه إلى محض الحظ.. وهكذا"

P.A. Sorokin: The Crisis of Our Age, E.P. Dutton & Co., N.Y. 1941, pp.121-2

إن من الممكن أن نرد على هؤلاء بطريقتهم، فنحلل نوازعهم وأغراضهم الدفينة، ونكتشف أنهم يعانون من عقد نفسية تكوّنت في الصغر تدفعهم دفعاً إلى تحقير من هم أفضل منهم، فلا يستريحون إلا بالحط من شأن العظماء حتى يصيروا متساوين بهم، ويتحرقون رغبة في لفت الأنظار إليهم، ولو بإثارة غضب الناس وحنقهم، وطمعاً في الشهرة، ولو كانت شهرة بأسوأ الأشياء، فهم لا يستريحون إلا إذا وجدوا أسماءهم على كل لسان، وما الذي يضمن لهم ذلك أكثر وأسرع من هذا الطريق: طريق تصغير الكبراء؟

يصف شكيب أرسلان "هذا الميل في النفس إلى إنكار الإنسان لماضيه"، وميله إلى القول"بأن آباءه كانوا سافلين"، بأنه:

"لا يصدر إلا عن الفسل الخسيس، الوضيع النفس، أو عن الذي يشعر أنه في وسط قومه دنيء الأصل، فيسعى هو في إنكار أصل أمته بأسرها، لأنه يعلم نفسه منها بمكان خسيس ليس له نصيب من تلك الأصالة، وهو مخالف لسنن الكون الطبيعية التي جعلت في كل أمة ميلاً طبيعياً للاحتفاظ بمقوماتها ومشخصاتها من لغة وعقيدة وعادة وطعام وشراب وسكن وغير ذلك إلا ما ثبت ضرره"

شكيب أرسلان: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ (1930) منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت 1975، ص 88

إن هؤلاء المشغولين بتصغير الكبراء يحبون أن يصوروا ما يقومون به على أنه "تنوير"، أي على أنه جزء من حركة تحريرية عظيمة للعقل البشري. إنهم يتصورون أنهم بما يكتبون يميطون اللثام عن حقائق كانت خافية، ومن ثم يساهمون في "تنوير" العقول، وتقليل مساحة الظلام. وتصغير الكبراء في نظرهم جزء من عملية توسيع نطاق المعرفة وانتصار جديد للعلم، بغزوه لمنطقة كانت محرمة عليه. كما يظنون أنهم بتصغير الكبراء يخدمون قضية الديمقراطية، إذ أنهم بما يفعلون يظهرون أنه ليس هناك "كبير" يستعصي على النقد. والتجرؤ على الكبراء في نظرهم جزء من التجرؤ على السلطة بوجه عام، فضلا عن أن الكشف عن أخطاء هؤلاء الكبار ونقائصهم يدلل على أن الناس جميعاً في الحقيقة متساوون، إذ يبين أنه ليس هناك أحد معصوم من الخطأ، وليس هناك أحد تجتمع فيه كل الفضائل ويرتفع عن كافة الرذائل، كما كان الناس يتصورون من قبل.

هذا التصوير لظاهرة تصغير الكبراء، هو في رأيي أبعد ما يكون عن الحقيقة، بل هو في رأيي أقرب إلى ما يطرأ على عقل شاب مراهق من أفكار مبعثها قلة نضجه، ولهفته إلى إثبات شخصيته عن طريق تحدي أبويه، والاستخفاف بمن يكبرونه سناً، ثم سرعان ما يتبين نزقه وحماقته متى تجاوز مرحلة المراهقة، فيعود إلى احترام ما كان من قبل دائم النقد له، بل سرعان ما يتبين أن تجرؤ الصغير على الكبير كثيراً ما يكون أكثر بشاعة من تسلط الكبير على الصغير. إن رؤية الابن لأبيه لأول مرة وهو عاري الجسد، أو اكتشافه لأول مرة أن أباه يمارس الجنس شأنه شأن بقية البشر، قد يشكلان لأول وهلة اكتشافاً مهماً في نظر الابن، ولكنهما بكل تأكيد لا يشكلان موضوعين مناسبين للحديث بين أفراد الأسرة، والابن الأحمق فقط هو الذي يشرع في وصف ما رآه لبقية أفراد الأسرة ، على أساس أنه يقوم بعملية "تنويرية"، وأنه بذلك يوسع من نطاق "المعرفة"، ويحقق انتصاراً "للعلم"!

إن عملية التنوير، أو تحقيق انتصار للعلم لا يمكن الفصل بينهما، وبين الاعتبارات الملاءمة والفائدة واللياقة، ولا يمكن الحكم على ملاءمة إضافة معلومة من المعلومات دو النظر إلى السياق الذي تتم فيه هذه الإضافة. بل لعل هذا "السياق" أو هذه "الملاءمة" هما من الاعتبارات الأساسية في التفرقة بين "زيادة المعلومات" و"زيادة المعرفة"، أو على الأقل هكذا يمكن تعريف "المعرفة" لتمييز عملية إثراء حقيقية للعقل الإنساني عن مجرد إضافة معلومات جديدة قد يكون ضررها أكبر من نفعها.

إن شخصاً ثرثاراً، يأبى الكف عن الكلام، قد يكون دائم الإضافة إلى معلوماتنا ولكنه لا يساعد على إثراء "معرفتنا" بالأمور التي يتكلم عنها ما لم يحسن اختياره لما يقال بين الكمية اللانهائية من المعلومات التي يمكن جمعها عن هذه الأمور. والتمييز القديم بين علم ينفع الناس، وعلم لا ينفع الناس، قد يصح أيضاً أن يكون تمييزاً بين العلم الحقيقي والمعرفة الحقيقية، وبين محض الثرثرة. والمدهش أن المولعين بتصغير الكبراء كثيراً ما يظنون أنهم يحسمون الأمر لصالحهم ويردّون على المعترضين عليهم رداً نهائيا بمجرد أن يقولوا: "ها هي ذي أدلتنا على صحة ما نقول، وها هي ذي مصادرنا ووثائقنا، فهل تشكون في صدق هذه المصادر؟" ذلك أن الشخص الثرثار قد يكون كل ما يقوله حقيقياً (كما أن أفلام الإثارة الجنسية، التي لا تستهدف إلا هذه الإثارة قد لا تفعل أكثر من "الكشف" عن الجسم الإنساني دون أي إضافة!)، ولكن هذا الشخص الثرثار قد يكون مع ذلك عظيم الضرر، ثقيل الظل، ممن يجدر بنا تجنب مجلسه والانصراف عنه.

والأمر هنا شبيه أيضاً بالدفاع المألوف، الذي يردده أصحاب الصحافة الصفراء، في الغرب كلما تناولوا الحياة الشخصية لأحد كبار الساسة أو نجم من نجوم الفن، أو عندما يملئون صفحاتهم بتفاصيل الحياة الخاصة لرجل عظيم مات منذ زمن طويل، فراحوا يفتشون عن أي شيء غير طبيعي يمكن إلصاقه به مما يمكن أن يجلب الإثارة للمعاصرين. فالدفاع المألوف يدور حول مقولة "حق الناس في أن تعرف". ولكن هذا التقديس الغريب لما يسمى "بالمعرفة"، بصرف النظر عما إذا كانت معرفة حقيقية، أم مجرد إلقاء لبعض المعلومات، يندرج أيضاً تحت ظاهرة "تصغير الكبراء"، وهو أبعد ما يكون عن أي "تنوير" حقيقي.

***

ولكن ربما كان أسوأ ما في ظاهرة تصغير الكبراء هو ما تشيعه من مناخ فكري وموقف نفسي مضاد تماماً لمتطلبات نهضة هذه الأمة. فعظماء الأمة هم أفضل ما فيها، والسخرية منهم هي سخرية الأمة من نفسها، واستعذاب أمة لتصغير كبرائها معناه على الأرجح أن الأمة قد هانت على نفسها لدرجة أنها أصبحت تستعذب هذه المهانة. والابن الذي تصبح إهانة الأب والأم لديه عادة مستحبة، يواصل ممارستها مهما تقدمت به وبهما السن، هو ابن بائس مقضيّ عليه بالضياع، وكذلك الأمة التي ترى من كتّابها من يستعذب تصغير كبرائها فتجاريهم وتشجعهم وتصفق لهم، وهي لا تدري أنها بذلك تقتل نفسها قتلاً، ولا يمكن أن نتصور هذه الأمة وهي تنهض من جديد، إلا إذا رأيناها تكف عن هذا المسلك القبيح.


____________________
© 2005 جلال أمين
المقال منشور بإذن من الكاتب.

١٥ مارس ٢٠٠٦

إيقاع الزمن

قبل مشاهدة معرض سمير فؤاد السابق لم أكن أعرف أن زيارة معرض فن تشكيلي ومشاهدة اللوحات على طبيعتها تجربة لا تقل روعة عن مشاهدة مسرحية أو حفل موسيقي أو أمسية شعرية، وأنها تجربة -مثلها مثل المسرح والموسيقي والسينما- تملك القدرة على تشكيل مزاج المتلقي وأخذه إلى أماكن في نفسه لم يكن قد زارها من قبل. هذا بالضبط ما حدث لي عندما زرت معرض "شهرزاد ترقص". دخلت القاعة وسرت بتأني أتفقد لوحات لسيدات يرقصن... لكل لوحة طابعها الخاص ولكل امرأة روح تكاد تقفز من اللوحة لتجذبني معها في رقصة لا نهائية. تمنيت حقاً أن أكون وحدي في هذه القاعة المزدحمة حتى أدور حول نفسي ويطير فستاني حولي مع "شهرزادات" سمير فؤاد. تلك الشهرزادات المنطلقات بداخل أُطُر اللوحات.. لا يمنعهن الإطار من الوصول إليّ.. ولا يمنعهن توقف الزمن عند اللحظة التي اكتملت فيها اللوحة. داعبتني أسئلة حول الحركة والزمن واستمراره المتناقض مع توقفه. ويا لعجبي حين علمت أن معرض سمير فؤاد القادم بعنوان "إيقاع الزمن"*. أترككم مع كلماته ولوحة من لوحاته:


مقدمة

يستعيد إيقاع الزمن في مخيلتي مطلع سيمفونية جوستاف مالر السادسة بالغة القتامة ..
إيقاع قدري عنيد لا يتوقف ابدا...سرمدي البداية منذ الدفقة الأولى للانفجار العظيم.. يسير في إصرار إلهي إلى اللامنتهى...
لا نحس للزمن وتيرة ثابتة .. فهو أحيانا في هدوء جريان جدول رقراق .. وأحيانا أخرى هادر هائج مثل موجه مد عاتية ولكنة دائما يكتسح أمامه كل شئ .. لا شيء باق على حاله .. أسرى نحن في هذا الوجود ... لا نملك حق العودة إلى الوراء ولا الهرولة إلى الأمام. قالها قس بن ساعده "كل ما هو آت آت" دورات لا نهائيه من الحياة والموت، الهدم والبناء، سدم ومجرات تتكون ثم تتبعثر، إنفجارات تسطع بضوء ملايين الشموس.. وثقوب سوداء تلتهم أي شيء وكل شيء.. حتى الزمن ذاته.. وحينئذ سوف تنضغط كل الموجودات في بؤرة واحدة تذوب وتتوحد في الذات العليا.

خواطر على هامش المعرض

عن الزمنية في الفن التشكيلي يقول الناقد جان بيير كريكى: "في البداية يمكن أن يكون هناك زمن معروض في العمل احتفاء بلحظه أو أحداث مختلفة ترتبط بعضها ببعض وفي بعض الحالات بالإضافة إلى ذلك نجد ما يسمح لنا أن نضع أيدينا على بعض الملامح في عملية إعداد العمل المادية ثم يأتى بعد ذلك عمر العمل ممثلا في المسافة الزمنية التي تفصلنا عن بداية وجوده ويكون هذا الزمن حاضرا في أذهاننا ومؤثرا على إدراكنا للعمل إضافة إلى التحولات المادية الشكلية التي تصاحب بقاء هذا العمل عبر السنين والقرون".
إن عنصر الزمن في العمل التشكيلي عنصر مركب ومعقد وهذا ليس بمستغرب، فمفهوم الزمن عامة قد حير العلماء والفلاسفة عبر العصور ومازال حتى اليوم ما بين "نسبية" إينشتين و"كم" ماكس بلانك، توجد ألغاز كثيرة لم يتم حل طلاسمها.
في عالمنا المادي لا يوجد زمن بدون حركة. إذا توقف الزمن .. توقفت الحركة وخمد كل شيء.. لا يوجد سكون مطلق .. وكذلك لا توجد حركة مطلقة .. توجد حركة نسبية وسكون نسبى.
وبالتالي فإن إحساسنا بالزمن يأتي عبر إحساسنا بحركة الأشياء سواء بشكل مباشر مثل صبى على أرجوحة .. أو عبر التغيير الذي يحدث للأشياء مثل ذبول ورود في زهرية .. وتبقى مقولة "دوام الحال من المحال" شاهد بين على مرور الزمن.
الزمن الذي نحن بصدده هنا هو الزمن الداخلي والذي تتضافر عناصر اللوحة التشكيلية جميعها من موضوع وخط ولون ومساحه وملمس سطح في خلقه عبر إيجاد حركه داخل العمل يتم نقلها إلى عين الرائي وإدراكه.
من ناحية الموضوع يمكن تقسيم لوحات هذا المعرض إلى مجموعتين رئيستين .. مجموعة تدور موضوعاتها عن أجسام في حالة حركة .. أطفال تلعب .. سيده تسير ..الخ ..ومجموعة تدور موضوعاتها عن أجسام في حالة سكون .. طبيعة صامتة .. وجوه .. أشخاص .. الخ ..والعامل المشترك بين هاتين المجموعتين هو وجود عنصر إيقاعي هو العنصر المحوري في الصورة مع وجود عنصر/عناصر إيقاعية ثانوية أو مضادة.
كمثال من المجموعة الأولى إذا نظرنا إلى لوحه الطفل على الحصان الخشبي في لعبة الساقية الدوارة (المطبوعة على إعلان المعرض) نجد أن العنصر الرئيسي هو الطفل/الحصان في حاله حركه اتجاهها من يسار اللوحة إلى يمينها.
الخطوط الرأسية المتتابعة تخلق إيقاع القرار الذي يتحرك عبرة الطفل والحصان وتم تأكيد الحركة بالاستطالة في وجهي الطفل والحصان في اتجاه الحركة و تم خلق طبقه حركيه ثانيه من تضاد لون الحصان الأمامي (أزرق . بارد) مع الخلفي (أحمر . ساخن).
وكمثال من المجموعة الثانية إذا نظرنا إلى لوحه ثلاث وردات في بللورة على خلفيه سوداء (المطبوعة في كتالوج المعرض) سنلاحظ في العنصر الرئيسي الورود/البللورة وجود حركه حلزونية تبدأ من البللورة ثم تنتقل إلى أوراق الورود وتصل قمتها إلى الوردات الثلاث ويساعد الانبعاج الموجود في هذه العناصر على تأكيد اتجاه الحركة وانتقالها من جزء إلى آخر.
وترتكز هذه الوحدة على سطح ساكن نسبيا مكون من خط أفقي وخطوط محوريه .. ويمثل اللون الأسود لخلفية الصورة المنطقة الأكثر سكونا مما يعطى حيوية أكثر لمجموعتي الحركة سالفتى الذكر.
وأعتقد أنه يمكن استعمال هذه المنهجية للتعرف على العنصر الرئيسي في العمل والعنصر/العناصر المساعدة (أى المجموعات الحركية) لإدراك البعد الزمني/الحركي في معظم لوحات هذا المعرض.
خلاصة القول أن مرور الزمن يغير الأشياء ولكن ليس بنفس الوتيرة، ويخلق هذا في الوجود إيقاعات شتى يجمعها نظام علوي واحد ويتلقى الفنان شذرة من هذا ويحولها عبر خلفيته الثقافية ومزاجه الانفعالي باستعمال الأدوات المتاحة له إلى عمل فني ..ثم يأتي دور المشاهد والذي يلعب الوعي والإدراك الذاتي الخاص به عنصر حاسم في فهم محتوى العمل الفني.

سمير فؤاد
مارس 2006


* معرض "إيقاع الزمن" من 19 مارس حتى 14 أبريل 2006 - قاعة بيكاسو: 3 ش حسن عاصم من ش البرازيل، الزمالك - ت: 7367544

٢٥ فبراير ٢٠٠٦

صورٌ تَحْكِي

أحب الصور. كل الصور .

أحب الصور التي تأخذني إلى أماكن لم أزرها، وأحب الصور التي تنقل لي شعور من التقطته العدسة في لحظة معينة...وأكثر من كل ذلك أحب الصور التي تحكي لي ما يحس به المصور في لحظة التصوير.

أحب الحَكْي جداً.

أحب الحكي والحكواتية والحكايات. الحقيقية منها والمؤلفة. أكثر حكاية أستمتع بها هي تلك التي يحكيها صاحبها وعيناه لا تفارقان من يحكي له، يستقي من عينيه الأحداث ويُلبِس شخصيات القصة رداء يناسب الجو العام في لحظة الحكي، يضبط إيقاع الأحداث حسب تجاوب المتلقي.

أحب الصور وحكايات الصور.

جلس خالد الخميسي في غرفة معيشتنا يفرجنا على صور "مروي" ويحكي لنا عن تلك الحضارة العظيمة التي ازدهرت ما بين القرن الخامس ق.م والقرن الرابع م. شمال الشلال السادس في السودان. سلك خالد للوصول إلى مروي نفس الطريق الذي سلكه قبله بنحو مائتي عام الفرنسي "فردريك كايو" أول من أرخ لهذه الحضارة. بدأ طريقه من واحة سيوة إلى البحرية ثم الفرافرة، ومنها إلى الداخلة، ومرورا بالخارجة، وصولا إلى وادي النيل، وانتهاءً بالخرطوم ومن هناك قطع حوالي ثلاثمائة كيلومتر حتى بلغ مروي ... إحدى أجمل بقاع الأرض.

الطريق إلى مروي - خالد الخميسيالطريق إلى مروي - خالد الخميسي

لن أفسد عليكم قصة لا تروى إلا بمصاحبة الصور. خالد الخميسي سيعرض صوره ويحكي عنها في ساقية الصاوي قريباً:

الطريق إلى مروي - خالد الخميسي

٠٧ فبراير ٢٠٠٦

كوبونات - حسام فخر

قصة قصيرة لم تنشر من قبل

تدخل عليّ ابنتي متهللة وتقول:
- صنعت لك بيديّ هدية..
تمد كفها الصغير بدفتر يحمل على غلافه كلمة "كوبونات" بخطها الطفولي الساذج المبتدئ ..أفر صفحاته فأرى:

هذا الكوبون خاص بأبي وحده وممنوع أن يستخدمه غيره
الصلاحية: صالح للاستخدام 24 ساعة يومياً سبعة أيام في الأسبوع طول العمر
القيمة: قبلات كثيرة جداً

أقلب الصفحة وأجد:

هذا الكوبون خاص بأبي وحده وممنوع أن يستخدمه غيره
الصلاحية: صالح للاستخدام 24 ساعة يومياً سبعة أيام في الأسبوع طول العمر
القيمة: أحضان بلا عدد كلما أرادها

وفي الصفحة التالية:

هذا الكوبون خاص بأبي وحده وممنوع أن يستخدمه غيره
الصلاحية: صالح للاستخدام ساعات الصباح يومياً سبعة أيام في الأسبوع طول العمر
القيمة: فنجان قهوة في السرير مع الجريدة

أستمر في تقليب الصفحات.. عشرات الكوبونات المكتوبة بخطها الطفولي الساذج المبتدئ تزين حوافها سلاسل من القلوب الوردية.. كلها خاص بي وحدي وممنوع أن يستخدمه غيري.. تعدني بالنوم في حضني، و بمساعدتي في وضع ملابسي في الدولاب، وبتصفيف ما تبقى من شعري، وبمسح دموعي إذا ما سالت رغماً عنّي أمامها، وبإعادة طبقي بعد العشاء إلى المطبخ، وبالسير معي على شاطئ البحر لو سمحت ظروف عملي أن نذهب إليه، وبإطفاء التلفزيون عندما ينقل صور الصواريخ تنسف الأعراس في القرى البعيدة، وبغسيل أسنانها كل يوم صباحاً ومساءً، وبرسم أي عدد أطلبه من الشموس الذهبية المتوهجة لأنظر إليها في أيام الضباب الرمادية التي تخنقني..

ابنتي جميلة وحنونة ومعطاء…وأمريكية..

____________________
© 2006 حسام فخر
القصة منشورة بتصريح من الكاتب.
للكاتب مجموعتين قصصيتين بعنوان "أم الشعور" و"ووجوه نيو يورك" ورواية تحت الطبع بعنوان "يا عزيز عيني"

٠٨ يناير ٢٠٠٦

العودة

في نهاية يوم طويل من العمل، لا أتمنى سوى أن أغلق عيني وأفتحهما فأجدني في المنزل. يُثقل قلبي مجرد التفكير في زحام الطريق وعنف سائقي الميكروباص ونفاذ صبر سائقي الأجرة والملاكي والضجر على وجوه المارَّة.. تثقله أكثر رائحة العادم والضوضاء ... وأظل أغوص في دوامة الهموم حتى تأخذني إلى القاع، حيث تسبح طفلة صغيرة في غلالة من دموعها. تشتعل عيناها بحمرة الغيظ وتتسارع أنفاسها من الغضب، تنتظر أقرب وأضعف فريسة لتنقض عليها بطلقات نارية متلاحقة تخرج من فمها في وجه العالم! فأمطر سائق التاكسي والميكروباص وشرطي المرور بوابل من السباب واللعنات وأدعو من أعماق قلبي على حكامنا وحكام حكامنا وعلى إعلانات الكوكاكولا التي تحتل نصف الشارع... أنظر بجانبي بحثا عن شيء ينتشلني من دوامتي فأرى رجالا ونساءً وأطفالا متكدسين في الأوتوبيس العام فأشيح بوجهي بعيدا خجلا من همومي وهمومهم.

بالأمس توقفت بالسيارة في إشارة مرور حديقة الحيوان بالجيزة، صدري يتمزق من شدة السعال ورائحة فضلات الحيوانات تصيبني بالغثيان. لكني خوفاً من النزول مرة أخرى لتلك الفتاة المعذبة الشرسة التي أهلكتني وأهلكتها، جلست خلف عجلة القيادة في هدوء أنتظر الفرج وأخذت نفسا عميقا ورفعت رأسي إلى أعلى أبحث عن سماء الغروب، فوجدت فيها ما لم أكن أعلم أنني أبحث عنه...

رأيت سربا هائلا من طيور بيضاء يحوم فوق السيارات، متنقلاً بين الأشجار على رصيفي الشارع الواسع. تهب الطيور معاً مثل أمواج البحر المتلاحقة ثم تنساب في هدوء وتتفرق.. ثم ما تلبث أن تتجمع وتحط على الأشجار مرة أخرى. فتبدو الأشجار، التي تساقطت أوراقها في الخريف، وكأنما أثمرت طيورا.

تقف هكذا في هدوء وسط ضجيج أبواق السيارات وصفارات شرطيي المرور. أجسامها البيضاء تكسر حدة سواد الأشجار ورمادية الشارع وحمرة الشمس الغاربة.

تعجبت حقا من تلك الطيور ذات الأجنحة القوية الواسعة.... لماذا لا تهاجر؟! لماذا لا تترك الضوضاء والتلوث وتذهب إلى أماكن أخرى أكثر هدوءا وأقل ازدحاماً؟

لم أجد إجابة ولكني واصلت القيادة، وعندما اقتربت من منزلي شعرت بان طريق العودة اليوم كان أقصر من المعتاد. وفي طريقي لمدخل العمارة لاحظت لأول مرة أنه أسفل منزلنا تكعيبة عنب.





تصوير: عمرو
مزيد من الصور
هنا