زاد في العقدين الأخيرين عدد الكتابات المنشورة في مصر التي تتناول بعضا من أغلى المقدسات لدى المصريين، بأقل من الاحترام الواجب لها. والظاهرة مؤسفة كما أنها مدهشة وداعية للتأمل. فليس صحيحا أن هذه الظاهرة تعبر عن اتجاه قديم وطبيعي يتصاعد باستمرار، أو أن المعبرين عن هذه الظاهرة لا يفعلون أكثر من استكمال مسيرة متواصلة من "الإصلاح". على العكس من ذلك: إن الظاهرة تظهر وتخبو، تقوى ثم تضعف، مما يوحي بأن هناك بعض الظروف الاجتماعية التي قد تكون مسئولة عن اشتداد قوة هذا الاتجاه أو أفوله. ناهيك عن القول بأن هذه الظاهرة تمثل جزءا من حركة "التنوير" في الثقافة المصرية.
إن المعبرين عن هذه الظاهرة يحبون بالطبع أن تشخص أعمالهم هذا التشخيص، فتدرج تحت شعار يوحي بالتقدم والإصلاح، إذ لا يعادي "التنوير" إلا رجعي متخلف جهول. وإدراج أعمالهم تحت شعار التنوير من شأنه أن يجعل أسماءهم تذكر مع أسماء لها لدى معظم المثقفين المصريين سحر خاص واحترام كبير، كأسماء: رفاعة الطهطاوي وقاسم أمين ولطفي السيد وطه حسين، فضلا عن أنه يضمن لهم احتفال وسائل الإعلام الغربية بهم، وقد يعني هذا شهرة عالمية، أو على الأقل تلقي الدعوات بصفة منتظمة لحضور المؤتمرات التي تعقد في بلاد ذات أسماء ساحرة بدورها، لمناقشة آخر ما يحدث من تطورات في بلادنا التعسة.
هذه الظاهرة التي أقترح تسميتها بظاهرة "تصغير الكبراء"، ليس لها في رأيي أي نسب بعملية "التنوير"، إذا أعطينا كلمة التنوير معنى يتفق حقا مع هذه الكلمة المضيئة والنيّرة، أي معنى العلم بعد جهل، والحكمة بدلا من الحماقة والنزق، والاهتداء إلى الطريق الصحيح للنهضة بعد عهد طويل من الضلال.
ذلك أني لا أرى أي جاذبية خاصة في أن يتناول الكاتب شيئا يتمتع باحترام عام لدى الناس فيحاول هدمه هدما، ويشجع الناس على التمرد عليه والسخرية منه. ولا أجد أي سبب للشعور باحترام خاص لكاتب يجعل كل همّه إبراز نقائص شخصية تاريخية عظيمة، اتفق الناس على حبها واحترامها، والاهتمام اهتماما خاصا بتفاصيل صغيرة، من النوع الذي يشترك فيه الناس جميعا، ولا تميّز شخصا عن آخر، فيسلطون الضوء عليها ويضخمونها على حساب الصفات العظيمة حقاً، والتي تميز حقاً بين العظيم والحقير.
ثم إني لا أجد أن هذه الكتابات مما يندرج تحت ظاهرة "تصغير الكبراء"، تحتاج إلى كاتب ذكي ذكاء خاص، أو محقق بارع يتمتع بدرجة متميزة من الصبر والجلد على الدرس، أو قدرة فائقة على الإحاطة بما لم يحط به المتقدمون، أو مهارة نادرة يفتقر إليها من يحترم مقدسات أمته. وإنما يحتاج إلى سلاطة لسان، ورغبة قوية في لفت الأنظار، وجمع بعض التفاصيل التي يأنف الذوق السليم من الوقوف عندها، وميل شديد إلى الحصول على رضا الأجانب، ولو على حساب أهله وقومه. بعبارة أخرى يحتاج هذا الميل الشديد إلى تصغير الكبراء إلى نفس صغيرة بدورها، تتلذذ تلذذاً خاصاً بأن تجعل الشخصية الكبيرة تبدو صغيرة مثلها.
والأمر هنا له شبه بما نعرفه عن بعض الناس الذين يجدون متعة زائدة، وتلذذاً خاصاً في الكلام عن نقائص الآخرين من وراء ظهورهم، ويميلون إلى نسيان كل فضائل الآخرين مع التضخيم من أي هفوة صغيرة سمعوا بها عنهم، صحيحة كانت أم كاذبة.
***
هذه الظاهرة، ظاهرة الميل إلى تصغير الكبراء، ليست بالطبع ظاهرة خاصة بنا وحدنا، بل يعرفها تاريخ أمم غيرنا، بما في ذلك تاريخ تلك الأمم المعروفة بالمتقدمة، والتي ننقل عنها في العادة آخر "موضاتها" الفكرية والمادية. شاع هذا الميل مثلا في بريطانيا في العشرينات من هذا القرن، بعد نشر ليتون ستراتشي كتابه المشهور بعنوان "شخصيات بارزة من العصر الفكتوري"، وفي ألمانيا في نفس الفترة بعد أن نشر إميل لودفيج تراجمه لنابليون وجوته والمسيح، وحمل لواء هذا الاتجاه أيضاً أندريه موروا في فرنسا وهنري آدامز في الولايات المتحدة، هؤلاء الذين وصف أحد علماء الاجتماع الكبار أعمالهم بالعبارات التالية، والتي تذكرك بشدة بما دأب بعض كتابنا على فعله خلال العشرين سنة الماضية:
"إنهم يحطمون ويحقرون أية شخصية يتناولونها، مهما كانت سامية. كل شيء تلمسه أيديهم (سواء أكان الذي يتكلمون عنه هو الله نفسه، أو شخصاً نبيلاً، أو إنجازاً عظيماً) يفسرونه تفسيراً ساخراً بحيث يظهرونه في شكل سلبي أو عادي تماماً، أو يظهرونه كشخص شاذ أو مريض بمرض نفسي، أو مدفوع بدوافع دنيئة وأنانية، أو (وعلى الأخص) بدوافع فسيولوجية. العبقرية تتحول على أيديهم إلى نوع من الجنون، والتضحية المجردة من الغرض يفسرونها كنوع من الشعور بالنقص، أو بعقدة أوديب، أو بالنرجسية، أو غيرها من العقد النفسية، ويفسرون العمل النبيل من أجل المجتمع على أنه استجابة لغريزة القطيع. والدوافع الأساسية في نظرهم هي الغريزة الجنسية، وانفصام الشخصية، وعقدة الاضطهاد. أما القديسون فيصورونهم على أنهم أشخاص معتوهون، والزعيم الوطني المحبوب يصورونه على أنه شخص يعاني من ميول جنسية غير طبيعية، والورع يعتبرونه جهلاً وتسليماً بالخرافات، والاستقامة الخلقية يعتبرونها نفاقاً، والإنجاز المتميز يردونه إلى محض الحظ.. وهكذا"
P.A. Sorokin: The Crisis of Our Age, E.P. Dutton & Co., N.Y. 1941, pp.121-2
إن من الممكن أن نرد على هؤلاء بطريقتهم، فنحلل نوازعهم وأغراضهم الدفينة، ونكتشف أنهم يعانون من عقد نفسية تكوّنت في الصغر تدفعهم دفعاً إلى تحقير من هم أفضل منهم، فلا يستريحون إلا بالحط من شأن العظماء حتى يصيروا متساوين بهم، ويتحرقون رغبة في لفت الأنظار إليهم، ولو بإثارة غضب الناس وحنقهم، وطمعاً في الشهرة، ولو كانت شهرة بأسوأ الأشياء، فهم لا يستريحون إلا إذا وجدوا أسماءهم على كل لسان، وما الذي يضمن لهم ذلك أكثر وأسرع من هذا الطريق: طريق تصغير الكبراء؟
يصف شكيب أرسلان "هذا الميل في النفس إلى إنكار الإنسان لماضيه"، وميله إلى القول"بأن آباءه كانوا سافلين"، بأنه:
"لا يصدر إلا عن الفسل الخسيس، الوضيع النفس، أو عن الذي يشعر أنه في وسط قومه دنيء الأصل، فيسعى هو في إنكار أصل أمته بأسرها، لأنه يعلم نفسه منها بمكان خسيس ليس له نصيب من تلك الأصالة، وهو مخالف لسنن الكون الطبيعية التي جعلت في كل أمة ميلاً طبيعياً للاحتفاظ بمقوماتها ومشخصاتها من لغة وعقيدة وعادة وطعام وشراب وسكن وغير ذلك إلا ما ثبت ضرره"
شكيب أرسلان: لماذا تأخر المسلمون ولماذا تقدم غيرهم؟ (1930) منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت 1975، ص 88
إن هؤلاء المشغولين بتصغير الكبراء يحبون أن يصوروا ما يقومون به على أنه "تنوير"، أي على أنه جزء من حركة تحريرية عظيمة للعقل البشري. إنهم يتصورون أنهم بما يكتبون يميطون اللثام عن حقائق كانت خافية، ومن ثم يساهمون في "تنوير" العقول، وتقليل مساحة الظلام. وتصغير الكبراء في نظرهم جزء من عملية توسيع نطاق المعرفة وانتصار جديد للعلم، بغزوه لمنطقة كانت محرمة عليه. كما يظنون أنهم بتصغير الكبراء يخدمون قضية الديمقراطية، إذ أنهم بما يفعلون يظهرون أنه ليس هناك "كبير" يستعصي على النقد. والتجرؤ على الكبراء في نظرهم جزء من التجرؤ على السلطة بوجه عام، فضلا عن أن الكشف عن أخطاء هؤلاء الكبار ونقائصهم يدلل على أن الناس جميعاً في الحقيقة متساوون، إذ يبين أنه ليس هناك أحد معصوم من الخطأ، وليس هناك أحد تجتمع فيه كل الفضائل ويرتفع عن كافة الرذائل، كما كان الناس يتصورون من قبل.
هذا التصوير لظاهرة تصغير الكبراء، هو في رأيي أبعد ما يكون عن الحقيقة، بل هو في رأيي أقرب إلى ما يطرأ على عقل شاب مراهق من أفكار مبعثها قلة نضجه، ولهفته إلى إثبات شخصيته عن طريق تحدي أبويه، والاستخفاف بمن يكبرونه سناً، ثم سرعان ما يتبين نزقه وحماقته متى تجاوز مرحلة المراهقة، فيعود إلى احترام ما كان من قبل دائم النقد له، بل سرعان ما يتبين أن تجرؤ الصغير على الكبير كثيراً ما يكون أكثر بشاعة من تسلط الكبير على الصغير. إن رؤية الابن لأبيه لأول مرة وهو عاري الجسد، أو اكتشافه لأول مرة أن أباه يمارس الجنس شأنه شأن بقية البشر، قد يشكلان لأول وهلة اكتشافاً مهماً في نظر الابن، ولكنهما بكل تأكيد لا يشكلان موضوعين مناسبين للحديث بين أفراد الأسرة، والابن الأحمق فقط هو الذي يشرع في وصف ما رآه لبقية أفراد الأسرة ، على أساس أنه يقوم بعملية "تنويرية"، وأنه بذلك يوسع من نطاق "المعرفة"، ويحقق انتصاراً "للعلم"!
إن عملية التنوير، أو تحقيق انتصار للعلم لا يمكن الفصل بينهما، وبين الاعتبارات الملاءمة والفائدة واللياقة، ولا يمكن الحكم على ملاءمة إضافة معلومة من المعلومات دو النظر إلى السياق الذي تتم فيه هذه الإضافة. بل لعل هذا "السياق" أو هذه "الملاءمة" هما من الاعتبارات الأساسية في التفرقة بين "زيادة المعلومات" و"زيادة المعرفة"، أو على الأقل هكذا يمكن تعريف "المعرفة" لتمييز عملية إثراء حقيقية للعقل الإنساني عن مجرد إضافة معلومات جديدة قد يكون ضررها أكبر من نفعها.
إن شخصاً ثرثاراً، يأبى الكف عن الكلام، قد يكون دائم الإضافة إلى معلوماتنا ولكنه لا يساعد على إثراء "معرفتنا" بالأمور التي يتكلم عنها ما لم يحسن اختياره لما يقال بين الكمية اللانهائية من المعلومات التي يمكن جمعها عن هذه الأمور. والتمييز القديم بين علم ينفع الناس، وعلم لا ينفع الناس، قد يصح أيضاً أن يكون تمييزاً بين العلم الحقيقي والمعرفة الحقيقية، وبين محض الثرثرة. والمدهش أن المولعين بتصغير الكبراء كثيراً ما يظنون أنهم يحسمون الأمر لصالحهم ويردّون على المعترضين عليهم رداً نهائيا بمجرد أن يقولوا: "ها هي ذي أدلتنا على صحة ما نقول، وها هي ذي مصادرنا ووثائقنا، فهل تشكون في صدق هذه المصادر؟" ذلك أن الشخص الثرثار قد يكون كل ما يقوله حقيقياً (كما أن أفلام الإثارة الجنسية، التي لا تستهدف إلا هذه الإثارة قد لا تفعل أكثر من "الكشف" عن الجسم الإنساني دون أي إضافة!)، ولكن هذا الشخص الثرثار قد يكون مع ذلك عظيم الضرر، ثقيل الظل، ممن يجدر بنا تجنب مجلسه والانصراف عنه.
والأمر هنا شبيه أيضاً بالدفاع المألوف، الذي يردده أصحاب الصحافة الصفراء، في الغرب كلما تناولوا الحياة الشخصية لأحد كبار الساسة أو نجم من نجوم الفن، أو عندما يملئون صفحاتهم بتفاصيل الحياة الخاصة لرجل عظيم مات منذ زمن طويل، فراحوا يفتشون عن أي شيء غير طبيعي يمكن إلصاقه به مما يمكن أن يجلب الإثارة للمعاصرين. فالدفاع المألوف يدور حول مقولة "حق الناس في أن تعرف". ولكن هذا التقديس الغريب لما يسمى "بالمعرفة"، بصرف النظر عما إذا كانت معرفة حقيقية، أم مجرد إلقاء لبعض المعلومات، يندرج أيضاً تحت ظاهرة "تصغير الكبراء"، وهو أبعد ما يكون عن أي "تنوير" حقيقي.
***
ولكن ربما كان أسوأ ما في ظاهرة تصغير الكبراء هو ما تشيعه من مناخ فكري وموقف نفسي مضاد تماماً لمتطلبات نهضة هذه الأمة. فعظماء الأمة هم أفضل ما فيها، والسخرية منهم هي سخرية الأمة من نفسها، واستعذاب أمة لتصغير كبرائها معناه على الأرجح أن الأمة قد هانت على نفسها لدرجة أنها أصبحت تستعذب هذه المهانة. والابن الذي تصبح إهانة الأب والأم لديه عادة مستحبة، يواصل ممارستها مهما تقدمت به وبهما السن، هو ابن بائس مقضيّ عليه بالضياع، وكذلك الأمة التي ترى من كتّابها من يستعذب تصغير كبرائها فتجاريهم وتشجعهم وتصفق لهم، وهي لا تدري أنها بذلك تقتل نفسها قتلاً، ولا يمكن أن نتصور هذه الأمة وهي تنهض من جديد، إلا إذا رأيناها تكف عن هذا المسلك القبيح.
____________________
© 2005 جلال أمين
المقال منشور بإذن من الكاتب.
هناك ٢٢ تعليقًا:
أنا آسف يا ستي أذا كنت حاهدي الموضوع ده ل(فطاحل) التدوين المصري لعل و عسي يعني
الموضوع مش محتاج تعليق فعلاً الموضوع محتاج محض وقفة مع الذات الكلام المذكور بينطبق بالنص علي بعض المدونين اللي أنا في حل من ذكر أسمائهم تجنباً لفتح رافد للصراع في مدونة واحدة غير معنية بالأمر أنا بأستأذنك يا سامية أني أحط لينك للموضوع في مدونتي مع موضوعي الجديد
شاكر للوقت و المساحة
عزيزي زنجي.. الكلام بينطبق على نماذج كتير جدا في مجتمعنا اليومين دول مش بس المدونين (لإن طبعاً المدونين مش جايين من المريخ. هم برضه ناس بيمثلوا مجموعات متباينة من الناس).. حتلاقي النموذج ده موجود حتى بين الصحفيين والكتاب
المشهورين
وطبعاً مش محتاج تستأذن عشان تحط لينك
:)
سامية: لست فى مصر لهذا قد لا أستطيع الحصول على الكتاب بسرعة ، لهذا أسألك هل هذا النص هو ورقة منفصلة فى كتاب أستاذنا الدكتور جلال أمين أم إنه يجب أن يقرأ من خلال سياق ما فى كتابه ، فقد شعرت من خلال النص أن الدكتور جلال أمين يقصد نموذج ما ولكنه لم يكن واضحاً تمام الوضوح من خلال هذا النص ، فلا اظن أستاذنا يرفض نقد الشخصيات التاريخية فى المطلق كما قد يُفهم من هذا النص ، لهذا إن كان هناك نصوص أخرى يمكن أن تكمل الصورة فأرجو منك نشرها
و جوووووون ....ضربة فى مقتل ...و هدااااف ...كل الكلمات اللى ممكن تقول انك اصبتى كبد الحقيقة ...ليكى انتى و جلال أمين الجنة بإذن الله ...هو ده اللى أنا بفكر فيه من كام يوم و الله ..على الله المقصود يتعظ ويخرس بقى و يعقل ....مش عارف أقول إيه و الله ... انا سعيد بالمقال ده لحد لا يعقل
:)
أعدت اكتشاف التنوير الزائف مؤخرا بعد أن قرأته من مدة طويلة
ميزة جلال أمين أنه بهدوء يكشف تناقضات كاشفي التناقضات ويعري تحيزات الغاضبين على التحيزات، وهو بهذا يؤلم ويزعج من يحبون أن يزعجوا ويؤلموا المجتمع لافاقته وتثويره. وسبحان الله يسلط ناس على ناس :)
وصلت لقراءته بعد تجربة، بعد فترة تكتشف أن التحقير والتصغير والهدم والكسر أمر عير موضوعي وغير عقلاني بالضبط كوضع الهالات المقدسة
لا أعرف إن كنت قد "كبرت" في العمر مع التحول المتوقع من اليسار إلى اليمين خاصة مع احباطات التمرد ، ولكن على كل الأقل أدركت أن لكل من الطرفين منطقه وسببيته وعقلانيته وطريقته وانحيازه
واحد من مصر: المقال باب من فصل في الكتاب وهو بالطبع غير منفصل عن الموضوع بأكمله. للأسف لا أستطيع نشر الفصل كله لأن هذا سيعتبر تعدي على حقوق الملكية الفكرية.. كما أن البلوج ليس المكان المناسب لنشر فصل كامل من كتاب.
ثانياً: ليس هناك في المقال ما يرفض "نقد الشخصيات التاريخية" بشكل عام. د. جلال أمين يتحدث بوضوح عن نوع وأسلوب معين من النقد الهدام غير المبرر وغير المفيد ويتكلم عنه كظاهرة من ضمن ظواهر التنوير الزائف والمبالغة في تحقير الذات، ويراه كما قال المجهول السابق "أمر غير عقلاني بالضبط كوضع الهالات المقدسة"
يا سهروردي .. منوَّرني وسعيدة ان المقال عجبك
لا اعتقد أن الهجوم على "التنوير الزائف" يعد تحولا من " اليسار الى اليمين" كما قد يوحى تعليق المجهول الذى سبقنى. نعم .. نحن نعيش عصر اختلاط الأوراق والمفاهيم, لكن هذا يجب ألا ينسينا ان الفيصل فى التفرقة بين اليسار واليمين يظل- كما كان دائما- هو الموقف من الواقع الراهن. اذ كنت تحرص على المحافظة على هذا الواقع الراهن, اوحتى تغييره تغييرا شكليا لايمس جوهره فى شىء, فأنت تقف دون شك فى صفوف اليمين مهما تمسحت بدعاوى الحداثة والليبرالية. اما اذا كنت تريد تغييره تغييرا جذريا لصالح الغالبية الكبيرة من ابناء وطنك فأنت بالقطع تقف فى صفوف اليسار حتى لو رفضت جوانب بعينها فى التنوير الغربى والحداثة الغربية. التنوير الغربى ولد من رحم مجتمعات معينة فى ظروف معينة وفى سياق تاريخى محدد. التنوير الغربى له حدوده. والذين يحاولون ان يجعلوا منه ديانة مقدسة صالحة لكل زمان ومكان لاعلاقة لهم باليسار من قريب او بعيد. هؤلاء يقفون فى قلب اليمين, يقفون مع المحافظين الجدد الذين يرفضون نسبية الثقافات ويعملون على فرض ثقافة واحدة هى ثقافة السوق واللبيرالية الجديدة, ثقافة نهاية التاريخ وقفل باب الاجتهاد والابداع امام الغالبية الساحقة من شعوب العالم. باختصار أقول ان الفيصل اليوم بين اليسار واليمين هو الموقف من التبعية السياسية والاقتصادية والفكرية للنظام الدولى القائم, هو الموقف من الخراب الذى يريدون فرضه علينا باسم " التحديث" و"العلمانية" .وجلال امين يقف دون ادنى شك فى الصفوف الاولى لليسار الحقبقى. يرفض المشروع الامبراطورى الأمريكى .. يرفض الخصخصة دون ضابط او رابط.. يرفض الانفتاح المطلق العنان .. يرفض املاءات صندوق النقد الدولى ومنظمة التجارة العالمية ويؤكد اهمية الدور الاقتصادى للدولة و يدافع عن الانجازات الاقتصادية الكبيرة فى عهد عبد الناصر. جلال أمين لايرفض التنوير على اطلاقه بل يرفض التنوير " الزائف" الذى لايراعى" اعتبارات الملاءمة والفائدة واللياقة " على حد تعبيره. يرفض الابواق التى تتطاول اليوم على احمد عرابى ومصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول وجمال عبد الناصر, التى تحاول ان تطمس كل نقطة مضيئة فى تاريخ امتنا, ان تخمد روح المقاومة وتمهد الطريق للآمبراطورية الامريكية الجديدة
اليسار المصرى دافع عن القادة الوطنيين على امتداد التارخ المصرى الحديث ومجدهم كما لم يمجدهم احد.. يكفى ان ترجع الى اعمال احمد بهاء الدين وعبد الرحمن الشرقاوى وصلاح حافظ حتى قبل ثورة يوليو ,وارجع قبل ذلك وبعده الى اعمال الشاعرين العظيمين فؤاد حداد وصلاح جاهين
فاذا كان هناك اليوم من يدعى الانتساب الى اليسار,ويشارك ,فى الوقت نفسه, فى تمهيد الارض امام المشروع الامبراطورى الامريكى متمسحا بدعاوى التنوير والليبرالية والحداثة فهذا بالقطع هو اليسار الزائف
يسلم فمك! هو ده بالضبط
أهه انت كده لخصت معظم ما يقوله الكتاب وأضفت له كمان
انت مين بقى؟
:)
أحب أشد علي يد أخونا الأنونيموس التاني أنا في الغالب مبحبش أسيب كومنتات تهنئة بس بما أنه أنونيموس فا ممكن أتغاضي مادام مش حاقدر أبعتله مايل كلام سليم للغاية يا سيدي و للأخ أنونيموس الأول أنا بس مفهمتش أيه الأرتباط بين النضوج و التحول الي اليمين و أيه الأرتباط بين الأحباطات الثورية و لعن اليسار ؟؟؟
و يجعله عامر يا أسيادنا
لتاني مرة بقولك (ولد)يازنجي, فعلا الموضوع مش محتاج تعليق
سيبكوا بقي من التدوين واليمين واليسار , انا بس بجد عايز اقول حاجة وشايف إن دي أهم نقطة..لازم كلنا نحافظ علي مقدسات امتنا , نحافظ علي هويتنا , نحاول نعمل حالة عامة من الوعي , مش مجرد الوعي الثقافي ..لأ الوعي إن احنا مش محتاجين للتنوير قد ما احنا محتاجين نعيد اكتشاف انفسنا, مجردالكلام عن يسار ويمين يبقي ناقص.. كل الدنيا فيها اليسار واليمين والوسط..الفكرة انة مع اختلاف طريقة التفكير مع اختلاف الألوان والمذاهب, كلهم في الاخر بيصبوا في اتجاة واحد همهم واحد وهدفهم مشترك , مش متشتتين
بجد مافيش أي حاجة تتقال زيادة غير أني انقل آخر فقرة في المقال واحطها هنا تاني علشان , علي الأقل اقراها أنا مرتين
==================================
ولكن ربما كان أسوأ ما في ظاهرة تصغير الكبراء هو ما تشيعه من مناخ فكري وموقف نفسي مضاد تماماً لمتطلبات نهضة هذه الأمة. فعظماء الأمة هم أفضل ما فيها، والسخرية منهم هي سخرية الأمة من نفسها، واستعذاب أمة لتصغير كبرائها معناه على الأرجح أن الأمة قد هانت على نفسها لدرجة أنها أصبحت تستعذب هذه المهانة. والابن الذي تصبح إهانة الأب والأم لديه عادة مستحبة، يواصل ممارستها مهما تقدمت به وبهما السن، هو ابن بائس مقضيّ عليه بالضياع، وكذلك الأمة التي ترى من كتّابها من يستعذب تصغير كبرائها فتجاريهم وتشجعهم وتصفق لهم، وهي لا تدري أنها بذلك تقتل نفسها قتلاً، ولا يمكن أن نتصور هذه الأمة وهي تنهض من جديد، إلا إذا رأيناها تكف عن هذا المسلك القبيح
شكـرا ياسامية
كلام سليم بيفسر قلة أدب كتير الواحد بيقراها كل يوم من كتائب المرضى النفسيين اللى بيصوروا أنفسهم حراس لديمقراطية
سعيدة ان المقال عجبكم يا جماعة
سامية : يهمنى مرة أخرى توضيح ما قلته سابقاً ، الدكتور جلال أمين لديه قدرة مدهشة على إلتقاط ملاحظات إجتماعية كما فعل مثلاً فى كتابه " ماذا حدث للمصريين" و لكنه فى هذا الكتاب وضع تفسير نظرى يراه ممثلاً لخلفية هذه التغيرات التى حدثت فى المجتمع المصرى على مدى نصف قرن و لا تتضح فكرة الكتاب بدون ذلك الجزء الخاص بالحراك الإجتماعى الذى يمثل عموداً فقرياً للكتاب بأكمله، هنا فى هذا الجزء الذى إخترتيه من كتابه و من خلال قراءتى السابقة للدكتور جلال أمين أتصور-و ربما أكون مخطئاً- أن هنا الفكرة ليست واضحة تمام الوضوح لأن تعبيرات مثل "الاحترام الواجب " ،" اعتبارات الملاءمة والفائدة واللياقة " تبدو واسعة بما يكفى لمن يريد أن يستعملها لرفض أى نقد لشخصية تاريخية ، لهذا أتصور أن توضيح السياق الذى وضع فيه هذا الجزء من الكتاب هام لتمام الفهم و على حسب ما أتصور لن يرضى هذا بعض أصحاب التعليقات السابقة التى هللت للفكرة -التى أرى أنها ليست مكتملة ولابد أن تقرأ فى سياقها- لخدمة بعض المعارك الجانبية أو إستخدمت تعبيرات من طراز " وجووون" التى لا أراها لائقة بجدية المكتوب و لا قيمة كاتبه ، خلاصة القول أن السياق هنا شديد الأهمية حتى لا يتم تلقى الفكرة بشكل يمثل تبسيطاً مخلاً بمحتواها و قيمتها ..عذراً للإطالة
واحد من مصر: أختلف معك في غموض الفكرة في المقال. د. جلال أمين يشرح فكرته بكل وضوح.. بالطبع الفكرة العامة التي يدخل في سياقها هذا البحث لها معالم أخرى متصلة بها ومذكورة في الكتاب. على العموم وجدت مقال لفهمي هويدي يتناول فيه هذه الفكرة بالذات مع عرض مختصر لموضوع الكتاب ككل ضمن مقال له بعنوان الاستنارة المظلمة ربما يوضح لك الموضوع أكثر
يتناول موضوع الكتاب في النقاط 4 و5 و6
يا عم واحد من مصر و يا أستاذة سامية أنا بتأسف جدا على الأسلوب الغير لائق فى الإحتفاء بالمقال بس كل ما فى الأمر انى كنت فرحان شوية ، عادى
و أن كان فى أى نوع من عدم الجدية فى الإحتفاء بالمقالة يبقى انا إفهمت غلط على العموم
و طبعا لا أقصد ابدا الإقلال من قيمة الأستاذ أمين حتى لو ماكنتش قريتلوه حاجة قبل كده
موضوع الصراعات الجانبية فانا أظن أن الأستاذة نشرته فى قصد احد المدونين و الله ثم هى أعلم بما فى سريرتها
ولماذا تتأسف ياعزيزى السهروردى؟ لقد عبرت بطريقتك عن اعجابك بالمقال.جــــــون هنا معناها ان المقال , من وجهة نظرك, رائع وفى الصميم. واعتقد ان الدكتور جلال نفسه لو سمع التعليق ده حيسعد بيه جدا. وهل هناك مايسعد الكاتب اكثر من قولك له : لقد اصبت الهدف!.لاأعرف ما العلاقة المباشرة بين قضية" التنوير الزائف" وتحليلات الدكتور امين للحراك الاجتماعى .القضية المثارة فى المقال الذى نشرته سامية هى قضية التطاول على تاريخنا وثقافتنا. وهى قضية يثيرها الكاتب منذ وقت بعيد,منذ اواخر السبعينيات واوائل الثمانينيات. رفض جلال أمين للتبعية الاقتصادية والثقافيةخط ثابت فى كتاباته منذ البداية, يسبق بوقت طويل نشر تحليلاته فى الحراك الاجتماعى فى كتابيه"نحوتفسير جديد لأزمة الاقتصاد والمجتمع فى مصر" و " ماذا حدث للمصريين فى عامى 1989 و1998 على الترتيب. ( انظر على سبيل المثال كتبه" العرب والغرب",1979, و"محنة الاقتصاد والثقافةفى مصر",1982, و" تنمية أم تبعية اقتصادية وثقافية؟",1983) الدكتورأمين يقول فى آخر كتاب له:" الاصلاح المنشود ليس بالضرورة ان تفعل مثلما فعل الآخرون" .ويقول: " اصبح المطلوب الآن توجيه ضربة قاصمةلثقافتنا الوطنية بحيث لاتبقى امامها فرصة للاستمرار ". وهو يدافع عن الثقافة الوطنية والتاريخ الوطنى امام المحاولات المحمومةالتى نشهدها الآن لتصغير كل كبير وطمس كل ماهو مضىء فى تاريخنا وثقافتنا. ولا اعتقد ان الخروج بهذه النتيجة يعد من قبيل التبسيط المخل. فهذا هو بيت القصيد فيما يكتبه جلال أمين
سهروردي يا عزيزي رغم إن المجهول السابق قال كل اللي كنت ح اقوله، عايزة أضيف بس ان انا تضايقتش من تعليقك ولا حسيت إنه فيه أي تقليل من قيمة الكاتب أو المقال
سامية : لا أعرف إن كان تعليقى فى المرة السابقة غامضاً أم الزملاء الذين علقوا عليه ربما يحتاجون لإعادة قراءته،على أية حال أشكرك أولاً على رابط مقال الأستاذ فهمى هويدى و قد جعلنى أشد إحتياجاً لقراءة الكتاب إذ يبدو إنه يستعمله أيضاً لخدمة فكرة ما تبدأ بمقدمة نظرية عن (العقل الغربى)والتنوير ينهيها بأن وجود الله فى منظومة التنوير الغربى أمر هامشى ثم ينهى مقاله بعد تقديم مختارات من كتاب الدكتور جلال أمين بأن "ان المروجين للاستنارة المظلمة مبثوثون علي جبهات أكبر وأوسع مما نظن" ، مما يربط فى ذهن القارئ - البسيط ربما- بين التنوير و الإلحاد أو ما يقاربه ، مرة أخرى إستعمال ما كتبه الدكتور جلال أمين بما يخدم مشروع الأستاذ فهمى هويدى و لا أستطيع أن أعرف مدى إتساقه مع أفكار الكتاب لأننى لم أقرأه حتى الآن و لعلك تذكرين أن هذا كان سبب تعليقى الأول، ثانياً لم أقل يا عزيزتى أن الفكرة غامضة ، قلت نصاً "هنا فى هذا الجزء الذى إخترتيه من كتابه و من خلال قراءتى السابقة للدكتور جلال أمين أتصور-و ربما أكون مخطئاً- أن هنا الفكرة ليست واضحة تمام الوضوح لأن تعبيرات مثل "الاحترام الواجب " ،" اعتبارات الملاءمة والفائدة واللياقة " تبدو واسعة بما يكفى لمن يريد أن يستعملها لرفض أى نقد لشخصية تاريخية ، لهذا أتصور أن توضيح السياق الذى وضع فيه هذا الجزء من الكتاب هام لتمام الفهم" ، تحدثت عن (تمام الوضوح) و( تمام الفهم) ، و أظن أن تعليقى أصاب فى مساحة ما ، فمثلاً ما كتبه الأستاذ فهمى هويدى فيما يبدو أنه نقلاً من الكتاب عن طه حسين " هذا الكلام الغريب وهذا الشطط وهذه المبالغة في الدعوة إلي تقليد أوروبا, قدر لهذا كله الذيوع والانتشار للأسف" أو ليس هذا نقد لطه حسين و بلغة حادة ، ألا يناقض هذا ""الاحترام الواجب " ،" اعتبارات الملاءمة والفائدة واللياقة " كما جاء فى البحث الذى إخترتيه للنشر ، ربما يناقض فى نظر البعض و ربما لا ، لا يناقض فى رأى الأستاذ هويدى لأنه جاء عن كتاب هاجم فيه الدكتور طه حسين طائفة ما من المتدينين ، و قد يناقض فى رأيه أيضاً فى حالات أخرى ، أتمنى أن تكون فكرتى قد إتضحت
ثالثاً :الزميل الذى علق بدون إسم يقول "لاأعرف ما العلاقة المباشرة بين قضية" التنوير الزائف" وتحليلات الدكتور امين للحراك الاجتماعى"، لا أظننى قلت شيئاً عن علاقة مباشرة أو غير مباشرة، ما كتبته عن الحراك الإجتماعى فى كتاب ماذا حدث للمصريين هو مثال لإيضاح أهمية قراءة العمل بأكمله مرة أخرى (لتمام الفهم)، أخيراً لا أستطيع أن أعرف -أو أعتقد كزميلنا صاحب التعليق إن كانت تعبيرات من طراز (وجوون) تسعد الدكتور جلال أمين أم لا ، و لكن ما أعرفه أن نظام اللغة و المعانى و الدلالات الذى يستخدمه مجتمع ما فى لحظات زمنية بعينها هو تعبير عن حالته السياسية و الثقافية و الإبداعية -وحالتنا جلية- ، وهذا ليس هجوماً على الزميل السهروردى و لكن تعجب من رد الزميل الذى لم يكتب إسمه الذى يتحدث عن الدفاع عن ثقافتنا الوطنية و يدافع فى نفس الوقت على إبتذال اللغة و إستعمال مصطلحات تحمل دلالات غير منضبطة فى سياقات غير مناسبة و كأن هذا كله بعيد عن الدفاع عن الثقافة الوطنية
أخيراً : لم أكن أفكر فى أن تعليقى سيثير هذا القدر من الجدل، فإعتذارى لك و لمن أزعجهم التعليق و لمن أزعجهم إفساد الإحتفال بالمقال الذى مازالت أصر على أن فكرته ليست واضحة تمام الوضوح
تحياتى لك و للجميع
عزيزي واحد من مصر:
أولاَ:
أتفق معك بشدة في حاجتك لقراءة الكتاب لأنه - في إعتقادي - يمكن أن يعطيك فكرة أكثر وضوحاً عن أفكار جلال أمين مما قد يبدد بعضاً من دهشتك وتشكك في دقة النقل عنه. إبعث لنا عنوانك وسنرسل لك نسخة من الكتاب إن أردت.
ثانيا:
أنت تقول: "فمثلاً ما كتبه الأستاذ فهمى هويدى فيما يبدو أنه نقلاً من الكتاب عن طه حسين ’ هذا الكلام الغريب وهذا الشطط وهذه المبالغة في الدعوة إلي تقليد أوروبا, قدر لهذا كله الذيوع والانتشار للأسف‘ أو ليس هذا نقد لطه حسين و بلغة حادة ، ألا يناقض هذا ’الاحترام الواجب‘ ،’ اعتبارات الملاءمة والفائدة واللياقة‘ كما جاء فى البحث الذى إخترتيه للنشر"
وأنا أقول: ليس في نقد جلال أمين لطه حسين - في رأيي وبغض النظر عن مدى اتفاقي معه في نقده - ما يناقض "الاحترام الواجب" أو ما يندرج تحت "تصغير الكبراء". لأن ما يناقشه وينتقده هو أفكاره ولم يكن "كل همّه إبراز نقائصه الشخصية" ولم "يحاول هدمه هدما" ولا اهتم "اهتماما خاصا بتفاصيل صغيرة، من النوع الذي يشترك فيه الناس جميعا، ولا تميّز شخصا عن آخر" فسلط الضوء عليها وضخمها "على حساب الصفات العظيمة حقاً، والتي تميز حقاً بين العظيم والحقير". و لا فسر آراء طه حسين "تفسيراً ساخراً" بحيث يظهره "في شكل سلبي أو عادي تماماً، أو كشخص شاذ أو مريض بمرض نفسي، أو مدفوع بدوافع دنيئة وأنانية، أو بدوافع فسيولوجية".
وهو إذ ينتقد "بشدة" بعض أفكار طه حسين لا ينكر أهميته ولا قيمته فيقول في ص 128: "لا يمكن لأحد أن ينكر القيمة الجليلة لطه حسين كأديب، أو الخدمات الجليلة التي أداها للأدب العربي واللغة العربية والتعليم والسياسة التعليمية بما في ذلك فتح أبواب التعليم لغير القادرين. ولكنه في القضية التي نحن بصددها الآن كثيراً ما حظي بالثناء حيث كان في رأيي يستحق اللوم ..."
ثالثاً:
أما بالنسبة لاعتراضك على كلمة "جوون" وكيف تعبر في رأيك عن "ابتذال اللغة و إستعمال مصطلحات تحمل دلالات غير منضبطة فى سياقات غير مناسبة"!! وكيف أنها لا تليق بمن يدافع عن "الثقافة الوطنية"!!! فاتعجب له ولا أستسيغه على الإطلاق. وأرى فيه تعسفاً عجيباً غير مبرر!
لا أدري كيف يمكن أن تكون تعبيرات بريئة من قبيل "جوون" و"هداااف" مبتذلة وغير منضبطة أكثر من تعبيرات بعضها نجدها في مدونتك من قبيل:
"ظريفة موت حكاية الأعلى و فوق و تحت و الحاجات دى بس مش عارفين مولانا كان بيتفرج على إيه ( تفـتكروا إيه ؟؟ها؟..) و هو بيستعمل تعبيرات من نوع’ تحت ‘ لما ييجى يتعامل مع قضية من النوع ده"
أو:
"جتكم ستين نيلة تستاهلوا الظلم و الفساد و الإهانة و قانون الطوارئ"
أو من عينة التعليقات هنا وهنا التي رحبت بها وتواصلت معها ؟؟!!
لا أعترض على حقك في التعبير عن رأيك أيا كان وبالطريقة التي تريدها ولكن من فضلك رفقاً بالآخرين.
الزميل عمرو : إحترمت كثيراً طريقتك فى الخلاف معى ، دعنى أعلق بشكل سأحاول أن يكون مقتضباً
فيما يخص أولاً:لم أشكك فى دقة نقل الزميلة ساميةإطلاقاً ، فى مقال الأستاذ فهمى هويدى ، الإقتباسات متداخلة بشكل ما مع أراء الأستاذ هويدى بما جعلنى غير متأكد مما هو يممثل إقتباساً من الكتاب أو رأى لكاتب المقال
أشكرك على عرضك الكريم بإرسال الكتاب و لكن سأكون قريباً فى مصر و سأحصل عليه و ربما حينها يشرفنى أن نلتقى لمناقشته
فيما يخص ثانياً :لم أقصد أن أنتقد نقد الدكتور جلال أمين للدكتور طه حسين -فكراً أو شخصاً- و لكن إعتبرت هذا مثالاً لأقول أن ما يخص "الإحترام الواجب" و "إعتبارات اللياقة" سيبقى خلافياً لإتساعه و ربما يكون سلاحاً فى يد البعض لوضع خطوط حمراء حول هذا و ذاك لمنع إنتقادهم،و أنت تقول أن هذا لا يناقض هذه المعايير و لكن فى الأغلب سيكون هناك من يقول العكس ، أنت وضعت فى إعتبارك إعتبارات أخرى، قلت نقلاً عن النص "ولم يكن "كل همّه إبراز نقائصه الشخصية" ولم "يحاول هدمه هدما" ولا اهتم "اهتماما خاصا بتفاصيل صغيرة" و رغم أننى أرى أنه حتى هذه التعبيرات أيضاً فضفاضة فتعريفات النقائص و الهدم و التفاصيل الصغيرة ستبقى نسبية تتسع لأراء متضادة ، إلا إننى أظن أن البعض قد يتناسى حتى هذه الإعتبارات و يقتبس (فقط) "إعتبارات اللياقة" مفتخراً أن من هو فى وزن و قيمة جلال أمين يدعو لهذا ليظهر عائق جديد ضد أن ننقد تاريخنا و أنفسنا
ملا حظة أخرى هنا : أنت إستعملت جزء أخر من الكتاب لم يضعه الأستاذ هويدى بما يؤكد- ما لا أظننا نختلف عليه- من أهمية شديدة للسياق لتمام الفهم
فيما يخص ثالثاً : أحترم تعجبك و عدم إستساغتك لهذا الجزء من تعليقى و لكننى أختلف معك
لقد ذكرت أن هذا ليس هجوماً على الزميل الذى إستعمل تعبير " وجوون" و لكنه تعجب من الزميل صاحب التعليق بدون أسم ، و خرجت من الحديث عن شخص أو حالة إلى قضية و هى(الدلالات غير المنضبطة) فى (السياقات الغير مناسبة)و هما معاً إبتذال للغة فى وجهة نظرى و قد سبقت هذا بالحديث عن ما أراه من أن اللغةوالمفردات و دلالالتها تعبر عن حالة مجتمعها و أظن هذا متلازماً بالضرورةمع الدفاع عن الثقافة الوطنية ، و هذا بالقطع ليس حديثاً عن العامية فأنا من عشاقهاو لكن يا صديقى الكلمات المفتاح هنا هى "الدلالات " و "السياقات" ،و هذا يأخذنا إلى ما تعتبره مبتذلاً فى بعض ما كتبت أو ما علق الزملاء فى مدونتى و ترانى رحبت به أو تواصلت معه - وربما أتسائل فى بعض الحالات التى لم أرد فيها فيهاعلى تعليقات الزملاء من أين إستنتجت ترحيبى؟- ، وهنا تظهر الكلمات المفتاح :الدلالات المنضبطة و السياقات المناسبة ،تقريباً كل ما أخترته أنت مما كتبته أنا كان فى سياقات ساخرة أو غاضبة فى حالة "جتكم ستين نيلة" ، أظن فى كل هذه الحالات كان الأسلوب الساخر و الكلمات اللاذعةأو حتى المهاجمة تحمل الدلالات المناسبة فى سياقها الساخر أو الغاضب و لكن لا أظننى خلطت تعبيرات من هذه فى سياقات أخرى
خلاصة القول فى هذه النقطة إن ما تحدثت عنه من إبتذال اللغة كان مقروناً بالحديث عن الدلالات و السياقات و لكى أوضح فكرتى تماماً سأذكر مثالاً بعيداً عما نتحدث عنه: قصيدة أحمد فؤاد نجم "صباح الخير على الورد اللى فتح فى جناين مصر" توجد فيها تعبيرات مثل "الحيض" و "العادة" ، هذه التعبيرات فى سياقات أخرى قد تعد مبتذلة أو حتى قبيحة و لكنها هنا فى هذا السياق الذى أبدعه أحمد فؤاد نجم تبدو شديدة الإتساق و الجمال بل هى فى رأىّ من أجمل ما كتب بالعامية المصرية ، إنه مرة أخرى إنضباط (الدلالة) و مناسبة( السياق)، و هكذا تبدو الفكرة واضحة فى تعليقى الأول: قلت أن هذه التعبيرات لا تليق ب (جدية) المكتوب و لا قيمة كاتبه(السياق و الدلالة) ، أخيراً أعتذر لمن قد رأى أننى لم أكن رفيقاً به كما تقول
ملحوظة : فشلت أن أكون مقتضباً فعذراً
تحياتى لك و للجميع
عزيزي واحد من مصر:
عفواً لم استطع أن أفهم منطقك ’الخاص‘ في تفسير "الدلالات غير المنضبطة" و"السياقات الغير مناسبة". وبالتالي نبقى على خلافنا وأترك مهمة الفصل بيننا للقارئ يقرر فيها ما يشاء. فقط أود أن أُنهي نقاشي بتوضيح بعض النقاط الأساسية:
(1)
هذا الفصل منشور هنا بتصريح شخصي ومباشر من د. جلال أمين. وقد وافق على النشر وهو على علم بالسياق الذي سينشر فيه وبأنه سُينشر مستقلاً عن باقي الكتاب ومع ذلك لم تراوده أي هواجس حول مدى وضوح الأفكار المطروحة فيه عند نشره مستقلاً.
(2)
الكتاب أصلاً عبارة عن مجموعة من البحوث والمقالات التي كتبت منفصلة ثم قرر الكاتب إعادة نشرها مجمعة في كتاب لأنه رأى كما يقول في المقدمة "الفكرة الأساسية فيها كلها فكرة واحدة، هي الاحتجاج على ما أعتبره تنويراً زائفاً، ومحاولة الانتصار لما أعتبره التنوير الحقيقي، الذي من شأنه دون غيره أن يؤدي إلى نهضة حقيقية".
(3)
الأفكار الذي يطرها جلال أمين في هذا الفصل هي أفكار أصيلة في مشروعه الفكري، وتمثل خطاً ثابتاً في جل أعماله - تماماً كما وضح لك الأخ المجهول (وهو ليس مجهولاً بالنسبة لي بالمناسبة، بل صديق عزيز أقدره وأحترمه) - ولا أتصور أنها يمكن أن تثير دهشة من يعرف جلال أمين ويقرأ له.
(4)
أستطيع أن أقول لك بكل ثقة واطمئنان أن جلال أمين ("بكل وزنه وقيمته") يقف بقوة ضد تشويه تاريخنا وجلدنا لأنفسنا. وأنه - كما قال صديقي المعلق المجهول - "يدافع عن الثقافة الوطنية والتاريخ الوطني أمام المحاولات المحمومة التي نشهدها الآن لتصغير كل كبير وطمس كل ما هو مضيء في تاريخنا وثقافتنا". وإن أردت أن ترى الدليل على ذلك عليك بقراءة كتاباته بنفسك. (ويمكنك أن تبدأ هنا).
تحياتي..
عزيزى عمرو : سأحاول أن أنهى أنا أيضاً نقاشى
فيما يخص ما أسميته أنت منظقاً خاصاً لى فى تفسير الدلالات المنضبطة و سياقاتها ، أريد فقط أن أوضح إنه ليس "خاصاً" على إطلاقه و لكن هناك العديد من الكتابات التى ربما تتسق مع منطقى حول اللغة و المفردات و الدلالات و السياقات المستعملة فى مجتمع ما فى لحظات زمنية بعينها و علاقتها بما هو سياسى و ثقافى و إبداعى، ربما يكون من أهمها على حسب ما أرى كتابات عديدة للأستاذ نبيل عبد الفتاح مثلاً فى كتابه " اليوتوبيا و الجحيم..قضايا الحداثة و العولمة فى مصر" ، و أيضاً فى عدد من مقالاته الأخيرة فى بعض الجرائد المصرية ، عموماً سأرضى بأن نظل مختلفين حول هذا على ألا يفسد ذلك للود قضية
فيما يخص نقطتك رقم واحد بالقطع لا أستطيع أن أزايد على الدكتور جلال أمين بوصفه صاحب الكتاب و سأظل محتفظاً لنفسى بحق الإتفاق أو الإختلاف معه بعد قراءة الكتاب كاملاً
فيما يخص 3 ، 4 ، يبدو أننا كنا أسرى لسوء تفاهم منذ بداية التعليقات ، لم أقل على الإطلاق إننى مندهش من دفاع الدكتور جلال أمين عمن أسماهم الكبراء و لم أقل على الإطلاق أنه لا يقف بقوة ضد تشويه تاريخنا وجلدنا لأنفسنا و لا أنكرت عليه دفاعه "عن الثقافة الوطنية والتاريخ الوطني أمام المحاولات المحمومة التي نشهدها الآن لتصغير كل كبير وطمس كل ما هو مضيء في تاريخنا وثقافتنا". ، كل ما أردت قوله منذ البداية إننى و من خلال قراءة جلال أمين لا أستطيع أن أقبل أنه يدافع عن تحويل ما هو أو من هو تاريخى إلى تابو ضد النقد بدعوى إعتبارات الملائمة، و هذا النوع من تلقى الفكرة هو ما وصفته منذ البداية بالتبيسط المخل بقيمة الفكرة و محتواها ، كما أننى أشارك أستاذنا فى رفض جلد الذات فأنا أيضاً أرفض تحصين التاريخ ضد النقد و تقديسه بدعوى إعتبارات الملائمة و اللياقة ، و كان حديثى عن قراءة الكتاب بأكمله دفاعاً عن جلال أمين أن يتم تلقي فكرته بهذا الشكل ... أتمنى أن تكون فكرتى قد إتضحت الآن و أظننى عاجز عن إيضاحها أكثر من ذلك
ملحوظة أخيرة و هامة : لم أحب كثيراً ما لمحته فى طيات تعليقك بأننى أتحدث عمن لم أقرأه ، وأتمنى أن أكون مخطئاً فيما لمحته
تحياتى
إرسال تعليق