٠٨ يناير ٢٠٠٦

العودة

في نهاية يوم طويل من العمل، لا أتمنى سوى أن أغلق عيني وأفتحهما فأجدني في المنزل. يُثقل قلبي مجرد التفكير في زحام الطريق وعنف سائقي الميكروباص ونفاذ صبر سائقي الأجرة والملاكي والضجر على وجوه المارَّة.. تثقله أكثر رائحة العادم والضوضاء ... وأظل أغوص في دوامة الهموم حتى تأخذني إلى القاع، حيث تسبح طفلة صغيرة في غلالة من دموعها. تشتعل عيناها بحمرة الغيظ وتتسارع أنفاسها من الغضب، تنتظر أقرب وأضعف فريسة لتنقض عليها بطلقات نارية متلاحقة تخرج من فمها في وجه العالم! فأمطر سائق التاكسي والميكروباص وشرطي المرور بوابل من السباب واللعنات وأدعو من أعماق قلبي على حكامنا وحكام حكامنا وعلى إعلانات الكوكاكولا التي تحتل نصف الشارع... أنظر بجانبي بحثا عن شيء ينتشلني من دوامتي فأرى رجالا ونساءً وأطفالا متكدسين في الأوتوبيس العام فأشيح بوجهي بعيدا خجلا من همومي وهمومهم.

بالأمس توقفت بالسيارة في إشارة مرور حديقة الحيوان بالجيزة، صدري يتمزق من شدة السعال ورائحة فضلات الحيوانات تصيبني بالغثيان. لكني خوفاً من النزول مرة أخرى لتلك الفتاة المعذبة الشرسة التي أهلكتني وأهلكتها، جلست خلف عجلة القيادة في هدوء أنتظر الفرج وأخذت نفسا عميقا ورفعت رأسي إلى أعلى أبحث عن سماء الغروب، فوجدت فيها ما لم أكن أعلم أنني أبحث عنه...

رأيت سربا هائلا من طيور بيضاء يحوم فوق السيارات، متنقلاً بين الأشجار على رصيفي الشارع الواسع. تهب الطيور معاً مثل أمواج البحر المتلاحقة ثم تنساب في هدوء وتتفرق.. ثم ما تلبث أن تتجمع وتحط على الأشجار مرة أخرى. فتبدو الأشجار، التي تساقطت أوراقها في الخريف، وكأنما أثمرت طيورا.

تقف هكذا في هدوء وسط ضجيج أبواق السيارات وصفارات شرطيي المرور. أجسامها البيضاء تكسر حدة سواد الأشجار ورمادية الشارع وحمرة الشمس الغاربة.

تعجبت حقا من تلك الطيور ذات الأجنحة القوية الواسعة.... لماذا لا تهاجر؟! لماذا لا تترك الضوضاء والتلوث وتذهب إلى أماكن أخرى أكثر هدوءا وأقل ازدحاماً؟

لم أجد إجابة ولكني واصلت القيادة، وعندما اقتربت من منزلي شعرت بان طريق العودة اليوم كان أقصر من المعتاد. وفي طريقي لمدخل العمارة لاحظت لأول مرة أنه أسفل منزلنا تكعيبة عنب.





تصوير: عمرو
مزيد من الصور
هنا