٢٣ نوفمبر ٢٠٠٦

لبنان .. العالم في أربعة أيام

لم أكن أدرك أن عقل الإنسان قادر على استيعاب هذا الكم الهائل من الأحداث والانطباعات في تلك الفترة القصيرة. هو لم يقدر في الحقيقة.. بدليل أنني مازلت أعمل جاهدة في محاولة لتنظيم أفكاري وترويض عواطفي لأتمكن من الحديث عنها.
فقد دأب لبنان على إمطارنا بالمفاجئات بصورة مستمرة وعلى ألا يتوقف عن إدهاشنا لحظة واحدة، حتى أنني تخيلته رجلاً تتملكه حالة نشاط مفرط، يقذفنا بإصرار بكل ما في ذهنه وما في قدرته من ورود وأشواك.

أربعة أيام فقط شاهدت فيها وجه لبنان المقاوم الصامد ووجهه المتعالي المتغطرس... تعرفت على أسير نجح في الهروب من أحد أبشع سجون إسرائيل (معتقل الخيام في جنوب لبنان، والذي دمّرته إسرائيل في حرب تموز السابقة)، وجلست في سيارة واحدة إلى جانب مقاوم من جنود حزب الله حكى لي كيف أطلق عليه رفاقه لقب ’الشهيد الحي‘.. مشيت في شوارع الضاحية الجنوبية، ووطأت قدماي أرض الجنوب الطاهر، ورأيت الأضواء تتلألأ في فلسطين على الجانب الآخر من شاطئ مدينة صور... سمعت الأغنيات الجديدة التي لحنها زياد سحاب من أشعار فؤاد حداد وأكلت زيتونأً دقّته وملحته أيدٍ جنوبية طاهرة. شاهدت صور الحريري تحت شعار "لن ننسى" (!) على جدران المباني الحديثة وصور أطفال منسية ضاعت ذكرياتهم تحت ركام المباني المهدمة في الضاحية الجنوبية...

عن أي تلك التجارب أتحدث؟ عن عرض أشعار فؤاد حداد الذي قدمناه في الجنوب وعن الكلمة التي قدمنا بها رئيس بلدية صور فدمعت لها عيناي، أم عن شعوري عندما رأيت مذيعة قناة المنار تجلس في الصف الأول وتتفاعل مع الشعر وتبتسم عند سماعها سيرة "الشاطر حسن"؟ أم أتحدث عن صديقتي الجميلة خلود وأسرتها الدافئة وابتسامتها المرحبة التي لا تفارق وجهها ، أم عن زياد سحاب وبورتريه والده الذي رسمه أبي منذ ثلاثين عاماً أو أكثر.. أم أحكي عن مقهى "البارومتر" (معقل الشيوعيين في الحمراء فيما يبدو) المعلقة على أحد جدرانه صورة زياد رحباني في مهرجان الانتصار مرتدياً طاقية "نصر من الله"؟ هل أتحدث عن ساحة النجمة التي تجمد قلبي عند دخولها بعد أن كان مشتعلاً أثناء رحلة صور؟ أم عن الفيلم التسجيلي الرائع الذي شاهدناه ضمن فعاليات "لقاء بيروت العالمي لدعم المقاومة"؟

مازلت مثقلة بتفاصيل التجربة... وعاجزة عن الكتابة عنها بشكل منظم أو مفيد، لكنني خشيت أن أنتظر حتى تهدأ مشاعري فتذهب معها الانطباعات الأولى وتختفي الدهشة.

فها أنا أسجلها: يا لبنان، لقد أدهشتني! أدهشني عطاؤك وصمودك .. وبقاؤك! وأذهلتني تناقضاتك إلى أبعد الحدود. أثبتَ قدرتك على التغلب على عدوٍ يأتيك من الخارج، وأدعو الله أن يحفظك من أعدائك في الداخل.

هناك ٢٢ تعليقًا:

غير معرف يقول...

حمد لله علي السلام يا ساميه

نورتي لبنان ورجعتي تنوري القاهره تاني

:)

غير معرف يقول...

سمسم، الغني بداخليتو بشوف الغنى حواليه. كيف تستطيع ابتسامتي أن تفارق وجهي و ألزّ ناس من مصر جايين يدعمونا... على العموم ما كتبته يعكس بالظبط الحالة الفوضوية الغنيّة في لبنان و تشبه المفاجآت التي حصلت.

أما عن التناقضات الغنية لكن المؤذية في بعض الأحيان، فها أنا أقرأ رسالتك الجميلة عن وطنناالمقاوم الصّامد و جنبي على شاشة التلفاز تجمّع "وطني" يحمل لافتات و تنادي ضد الحزب الذي قاوم في جبل عامل مقاومةً سيكتبها التاريخ لدى العالم كلّه... إلا لدى بعض اللبنانيين.

و المضحك أكثر هو أغاني جوليا التي تدوي في هذا التجمع بالرغم من موقف جوليا المعروف المؤيد لحزب الله!!! ما يذكرني أنني شاهدت من حوالي الأسبوع و أنا أقود سيارتي، سيارة أُخرى جنبي و عليها علم لبنان و مرسوم أيضًا على وجه الطفل ألوان علمنا اللبناني، فخطر لي أن أسال الأب، أي لبنان منهم قصدك...!

على العموم بس حبيت سلّم عليك و قلّك إنو كتير حلو و أمين الشي الي كتبتيه عن لبنان، و إنتي كمان فاجأتيني بكتابتك المتمكّنة خاصّةً عن أطفال الضاحية المنسية...

نوّرتوا لبنان و أهلو بأشعار فؤاد حدّاد و بأدائكن الرائع و التلقائي الي بيشبه مضمون أشعار حدّاد التلقائيّة. أهم شي إنكن وصّلتو كلمةو موقف "الشعب المصري" بالرغم من حكومتو ال...

خلود

Dananeer يقول...

حمدالله على سلامتكوا
مستنين الحواديت

حسام يقول...

حمد الله على سلامتكم. بقالي كام يوم بدخل عشان اشوف البوست ده...كنت في انتظاره كلمة كلمة ودلوقتي لقيته وأكتر
:)

السهروردى يقول...

الف ألف حمد لله على سلامتكم جميعا
وألف ألف مبروك نجاح الأمسيات والحفلات فى لبنان
:))
كنتوا فعلا المملثيين الحقيقيين لرأى الجماهير المصرية فى القضايا اللبنانية
بلا وزارة الخارجية بلا دياولو

M. El-Hajj يقول...

حمدالله علي سلامتك أنتي و عمرو يا سامية

إفتقدنا وجودكم في القاهرة علي الرغم من أنهم كانوا أربع أيام بس

غير معرف يقول...

لا اعرف هل هذا يسمى الأختصار المذل
أم الأختصار المشوق
هذه تجربة لا يجوز أختصارها فى بضع سطور
أعتقد أنى أنتظر المذيد من التفاصيل

Ibn Bint Jbeil يقول...

يا سامية أبكيتيني بحديثك عن لبنان،

إشتقت إلى ترابه الاحمر الطاهر..

أنت بنت الجنوب مع كل ابنائه

سامية جاهين يقول...

عزيزي إبن بنت جبيل: لا أستطيع أن أصف لك مدى سعادتي بما قلت. أنا فعلا شعرت وأنا على أرض الجنوب، أنها جزء مني وأنني لست غريبة عنها! أما أهل الجنوب فلا يمكنني التحدث عنهم في جملتين.. يجب أن أكتب موضوع منفصل عن الجنوب وأبنائه (حتى الذين قابلتهم في بيروت) واستقباله ودفئه. أشكرك مرة أخرى.. أسعدتني حقاً والله وشرفتني.

أما بالنسبة للبنان الذي اشتقت إليه فأنا أدعو لك من قلبي أن تزوره قريباً ان شاء الله مع أسرتك الجميلة وأن تكون الأجواء قد هدأت واستقرت

تحياتي واحترامي

سامية جاهين يقول...

الله يسلمكم جميعاً.. وحشتونا! أوعدكم ححاول أكتب بشكل مفصل أكتر قريباً وأحكيلكم عن لبنان ومفاجئاته

يا خلود يا جميلة، منوراني. شعر فؤاد حداد كان في مكانه واحنا كمان كنا حاسين اننا في مكاننا ووحشنا وطننا الثاني، وبندعيله إن تناقضاته دي ما تئذيهوش. ربنا يحميكم

Omar Mostafa يقول...

يا هوا لبنان يا هوا.. حمد الله على السلامة

Khaled يقول...

Alf hamdellah 3assalam ya Semsem. I'm eagerly waiting to hear and read more from you about this trip. The bits you wrote aroused my curiosity to know more!

سامية جاهين يقول...

الله يسلمك يا أستاذ رأفت.. بس احنا من أهل البيت

يا خالد واحشني جداً.. الحكايات جاية قريباً ان شاء الله، وتسجيل الأمسية كمان

عمر: انت فين يا راجل!!؟؟
الله يسلمك :))

Ghada يقول...

حمد الله ع السلامة..
فين التفاصييييل؟ :)

Hilal CHOUMAN يقول...

الحمد لله عالسلامة يا سامية. انشالله ما يكون أثر عليكي الجو الضاغط هونيك. يعني اللبنانيين تعودوا على هالجو، بس بيبقى إنو السياح بيتخضو من هيك إشيا.
نسيت إنو انتي من أهل البلد :)

آخ يا سامية ع لبنان، الحكي ما بيخلص والدم ما بيخلص والقصص (الحلوة والكريهة) ما بتخلص. ما في شي بيخلص.

يمكن لازم يخلص تعليقي هون.

محمد أبو الفتوح يقول...

العزيزه
الشكل ده من الكتابه هو أفيد شكل
بتنقليلى اللقطات و انا بشوفها و احسها تمام كأنى عشتها
طبعا أنا فى حل من إنى أقول إنى غيران منكوا موت
ربنا معاكوا و مع كل فنان بجد بيفن اللى جواه و هو ده اللى هيجيب لمعة عين مزيعه على كلام راااجل (مات) يعنى عايش
ألف سلااااااااااامه
و سلام أمانه لكل من أمين حداد و بهاء جاهين و النبى

هيثم محفوظ يقول...

صدقينى أجمل حاجه إنه الكلام طلع منك مش مترابط أو مش مرتب خليه كده شبه الأيام اللى قضيتيها هناك بالظبط كل مشهد حكتيه محتاج واقفات بجد لبنان تجربه فريده قوى على جميع المستويات
أعتقد إن مافيش دوله عربيه ممكن تسمح بظهور شمس زى حسن نصر الله
التناقضات ف لبنان كتير و الخطر أكتر بس بيتهيئلى صمام الامان الوحيد حزب الله
ملحوظه : حفلة الساقيه 23 ديسمبر
أتشررف بحضورك

Aladdin يقول...

ألف ألف حمد لله ع السلامة! يا بختكو زرتو أرض المقاومة وبكارة الثورة! على فكرة يوم الجمعة الماضي كان هناك ندوة في صالون د/محمد حسن عبدالله الأدبي عن مختارات أسامة فرحات "ممنوع الانتظار" وبها أكثر من قصيدة في مدح الثورة ونصر الله.

أتابع الأخبار على المستقبل والمنار عن لبنان ما بعد اغتيال بيار الجميل. أتمنى في يوم نرى لبناناً بغير طائفية.

سامية جاهين يقول...

شريف وغادة، الله يسلمكم :)) بحاول مع التفاصيل والله يا غادة بس الوقت كالعادة كالسيف يقتلني! :)

يا ألف أهلا وسهلا يا هلال.. ليك شو يا زلمي كلمة سياح هيدي!؟ يا عيب الشوم عليك
:p
الجرح واحد والنزيف واحد والمقاومة واحدة يا عزيزي.. والحق باقي

هيثم: أيوة يا راجل قول كدة! أهه كدة الواحد ممكن يظبط نفسه من بدري ويعمل حسابه على معاد الحفلة

علاء: الله يسلمك :)) والله انا مكسوفة منك ومن أستاذ أسامة لإني فعلا نفسي أقابله من ساعة ما قلتلي إنه في القاهرة بس من ساعتها وانا باخرج من حاجة أدخل في حاجة
:s


محمد: شكراً يا فندم.. والله أنا فعلا كنت خايفة لا اللحظة تضيع مني فكان لازم اكتبها بعبلها. بس تصدق لسه ما ضاعتش لغاية دلوقتي؟ خصوصاً إن خلود صديقتي اللبنانية دلوقتي في القاهرة، فحاسة إن لبنان كلها عندنا في البيت
:))

سامية جاهين يقول...

رداً على تعليق جاء هنا:

أخي العزيز شهريار، أسعدني جداً ما قلت وإني والله أخجل لكون إعلامنا لا يعكس حقيقة ما يدور في الشارع المصري وفي صدور المصريين. أؤكد لك أن كل من أعرفهم وأحترمهم -وهم الحمد لله كثر- وقفوا بكل ما في قلوبهم من احترام أمام مقاومتكم، ومازلنا حتى الآن لا ندع فرصة تذهب دون أن نثني على موقف اللبنانيين المشرف.. ومازلنا ندعو ألا يتم دفن تلك العزة والكرامة التي أعادها اللبنانيون إلينا بأيد عربية. أعتذر لك عن خنوع وضعف ومذلة وفُجر وتواطؤ حكومتنا.. أرجوك إقرأ مقال د. رضوى عشور في جريدة الكرامة ومقال و مقال د. تميم البرغوثي في جريدة العربي لترى مزيد من النماذج المصرية المشرفة.

تحياتي واحترامي

غير معرف يقول...

العزيزة سامية، وأنت عزيزة من وجوه كثيرة أهمها محبتك لبلدي
ولصديقٍ
ولإرثك ومجهودك

حاذري من استسهال استعمال مقولة أعداء الداخل

لا نستطيع اتهام كتل ضخمة من البشر بأنها عميلة أو خائنة أو حتى مغرر بها
هناك خلاف فعلي على الخيارات في لبنان
ومن الضروري ايجاد حل سياسي له بالتأكيد
لكن تأكدي أن لا أحد من المتظاهرين، في أي من الميادين، مع أو ضد حزب الله
هو عدو للبنان

أعداء لبنان جميعاً، باستثناء شبكات صغيرة من الجواسيس وأتباع المخابرات على أنواعها، الشرقية والجنوبية،
هم من خارجه
عدو للبنان هو كل من يسعى أو سعى إلى انتشار عسكري في أرضه
عدو للبنان هو كل من سعى أو يسعى إلى الهيمنة عليه وفرض رأيه على الشعب
وعدو للبنان هو كل من يتخذ منه ساحة لتوصيل رسائله أو ورقة لتحسين وضعه التفاوضي والحصول على صفقات أفضل مع الغرب

أما الخلاف السياسي الداخلي في لبنان فلا يعكس عداء له، إلا حين يؤدي إلى ما أسلفت

غير معرف يقول...

للتوضيح فقط
لطالما تم استهدام مقولة أعداء الداخل
سواء في الولايات المتحدة (المكارثية)
أو في الاتحاد السوفياتي (معسكرات تجميع للملايين من الناس)
أو في البلدان العربية
للقيام بحملات تطهير و"اجتثاث" للآراء وناس مختلفين عن التوجه "الرسمي
لذا ينبغي الحذر والتنبيه إلى أن الحرب بالنظارات سهلة
وأن التصفيق لمن يتلقى القذائف لا يرد عنه الموت ولا الألم
لذا من الطبيعي أن يرفض البقاء في هذا الموقف