في نهاية يوم طويل من العمل، لا أتمنى سوى أن أغلق عيني وأفتحهما فأجدني في المنزل. يُثقل قلبي مجرد التفكير في زحام الطريق وعنف سائقي الميكروباص ونفاذ صبر سائقي الأجرة والملاكي والضجر على وجوه المارَّة.. تثقله أكثر رائحة العادم والضوضاء ... وأظل أغوص في دوامة الهموم حتى تأخذني إلى القاع، حيث تسبح طفلة صغيرة في غلالة من دموعها. تشتعل عيناها بحمرة الغيظ وتتسارع أنفاسها من الغضب، تنتظر أقرب وأضعف فريسة لتنقض عليها بطلقات نارية متلاحقة تخرج من فمها في وجه العالم! فأمطر سائق التاكسي والميكروباص وشرطي المرور بوابل من السباب واللعنات وأدعو من أعماق قلبي على حكامنا وحكام حكامنا وعلى إعلانات الكوكاكولا التي تحتل نصف الشارع... أنظر بجانبي بحثا عن شيء ينتشلني من دوامتي فأرى رجالا ونساءً وأطفالا متكدسين في الأوتوبيس العام فأشيح بوجهي بعيدا خجلا من همومي وهمومهم.
بالأمس توقفت بالسيارة في إشارة مرور حديقة الحيوان بالجيزة، صدري يتمزق من شدة السعال ورائحة فضلات الحيوانات تصيبني بالغثيان. لكني خوفاً من النزول مرة أخرى لتلك الفتاة المعذبة الشرسة التي أهلكتني وأهلكتها، جلست خلف عجلة القيادة في هدوء أنتظر الفرج وأخذت نفسا عميقا ورفعت رأسي إلى أعلى أبحث عن سماء الغروب، فوجدت فيها ما لم أكن أعلم أنني أبحث عنه...
رأيت سربا هائلا من طيور بيضاء يحوم فوق السيارات، متنقلاً بين الأشجار على رصيفي الشارع الواسع. تهب الطيور معاً مثل أمواج البحر المتلاحقة ثم تنساب في هدوء وتتفرق.. ثم ما تلبث أن تتجمع وتحط على الأشجار مرة أخرى. فتبدو الأشجار، التي تساقطت أوراقها في الخريف، وكأنما أثمرت طيورا.
تقف هكذا في هدوء وسط ضجيج أبواق السيارات وصفارات شرطيي المرور. أجسامها البيضاء تكسر حدة سواد الأشجار ورمادية الشارع وحمرة الشمس الغاربة.
تعجبت حقا من تلك الطيور ذات الأجنحة القوية الواسعة.... لماذا لا تهاجر؟! لماذا لا تترك الضوضاء والتلوث وتذهب إلى أماكن أخرى أكثر هدوءا وأقل ازدحاماً؟
لم أجد إجابة ولكني واصلت القيادة، وعندما اقتربت من منزلي شعرت بان طريق العودة اليوم كان أقصر من المعتاد. وفي طريقي لمدخل العمارة لاحظت لأول مرة أنه أسفل منزلنا تكعيبة عنب.
بالأمس توقفت بالسيارة في إشارة مرور حديقة الحيوان بالجيزة، صدري يتمزق من شدة السعال ورائحة فضلات الحيوانات تصيبني بالغثيان. لكني خوفاً من النزول مرة أخرى لتلك الفتاة المعذبة الشرسة التي أهلكتني وأهلكتها، جلست خلف عجلة القيادة في هدوء أنتظر الفرج وأخذت نفسا عميقا ورفعت رأسي إلى أعلى أبحث عن سماء الغروب، فوجدت فيها ما لم أكن أعلم أنني أبحث عنه...
رأيت سربا هائلا من طيور بيضاء يحوم فوق السيارات، متنقلاً بين الأشجار على رصيفي الشارع الواسع. تهب الطيور معاً مثل أمواج البحر المتلاحقة ثم تنساب في هدوء وتتفرق.. ثم ما تلبث أن تتجمع وتحط على الأشجار مرة أخرى. فتبدو الأشجار، التي تساقطت أوراقها في الخريف، وكأنما أثمرت طيورا.
تقف هكذا في هدوء وسط ضجيج أبواق السيارات وصفارات شرطيي المرور. أجسامها البيضاء تكسر حدة سواد الأشجار ورمادية الشارع وحمرة الشمس الغاربة.
تعجبت حقا من تلك الطيور ذات الأجنحة القوية الواسعة.... لماذا لا تهاجر؟! لماذا لا تترك الضوضاء والتلوث وتذهب إلى أماكن أخرى أكثر هدوءا وأقل ازدحاماً؟
لم أجد إجابة ولكني واصلت القيادة، وعندما اقتربت من منزلي شعرت بان طريق العودة اليوم كان أقصر من المعتاد. وفي طريقي لمدخل العمارة لاحظت لأول مرة أنه أسفل منزلنا تكعيبة عنب.
هناك ١٢ تعليقًا:
احيانا يكتشف الانسان ان هناك ما هو قادر حتى الان على ادهاشه رغم اعتياد ان يكون كل ما حولنا مدهش بطبيعنه
هنيئا لك ما وجدتيه
تعرفي إن ده طريقي اليومي للشغل؟ وفكرتيني إني استغربت زيك في لقطه من اللقطات... بس سألت نفسي.. طب أنا كمان ليه مش بمشي؟
تعجبت حقا من تلك الطيور ذات الأجنحة القوية الواسعة.... لماذا لا تهاجر؟! لماذا لا تترك الضوضاء والتلوث وتذهب إلى أماكن أخرى أكثر هدوءا وأقل ازدحاماً؟
.. ولماذا لا نترك نحن هذه الحياة المزدحمة ونذهب الى حيوات اخرى اقل صخبا وازدحاما؟!
فكرتينى بغنوة عمر
خلينا ف الزنقة نغازل الوسعات
دايما مابين الحفر فى مناطق نور بس احنا اللى بنبقة ماشيين سرحانين ومش واخدين بالنا عشان كده بنقع
ولما بناخد بالنا بنندهش
ونلاقى الطريق يقصر والفرح جوانا يكبر
اننا قدرنا نفلت من بين انياب الهموم
الكلمات رائعة
والصور اكثر من رائعة
حاجة غريبة فعلاً إن الواحد مابيشفش حاجات فى حياته إلا لما ييقى فى ظروف معينة
زى تكعيبة العنب الموجودة علطول وماشفتهاش إلا و إنتى بتمرى بحالة نفسية معينة
المفارقة أن القصة "قاهرية" جداً لكن الصور "لا قاهرية" خالص!!
انها محاوله ساميه فعلا
ربما كانت الطيور لا تعرف لها وطنا غير هذا. فهل نعرف نحن واذا وجدناه فهل هواه فعلا انقي وجوه اقل ازعاجا وان وجد فهل نستطيع ان نعيش فيه
جميله جدا هذا السمو ساميه
جيتى على الجرح بجد
الحالة دى بنحس بيها كتير فى يومنا زى مزيج من الخنقة والسخط على كل اللى حوالينا واحساسنا بالغربة جوه بلدنا وجو نفسنا عشان كده ممكن نكتشف تفاصيل جميلة تطلعنا من المود ده زى التكعيبة
الصور روعة بجد
الأحساس واصل قوى
طيور عندها أصل
هههههههههه
أشكركم على التواصل معي ومع الطيور
:)
يا علاء: روح انت بس عند جنينة الحيوانات ساعة الغروب أُقَف تحت الشجر الكبير وبص لفوق وانت تشوف قد إيه الصور قاهرية.. ولو إني لازم أعترف إن عين عمرو والكاميرا بتاعته شافت ما هو أجمل من اللي قدرت أوصفه بالكتابة
سندباد: أهلا وسهلا بيك "وأقولك الحق يا ابني، كلنا من الطير" - بيت لفؤاد حداد
جيرونيمو: أيوة، خلينا ف الزنقة نغازل الوسعات
يا سلام عليك يا عمر
:)
شادي: أي والله!
كل سنة وانتم طيبين جميعا وأشكركم كمان مرة
تصبحون على وطن
حيث تسبح طفلة صغيرة في غلالة من دموعها. تشتعل عيناها بحمرة الغيظ وتتسارع أنفاسها من الغضب، تنتظر أقرب وأضعف فريسة لتنقض عليها بطلقات نارية متلاحقة تخرج من فمها في وجه العالم!
الله!
ده طريق كليتي برضه :)
جميل
Hi again, I really really like your writings. I don't know if i'm right but it reminds me a bit of the style of writing of Dr. Nawal Saadawi who i really admire: You both construct a real image with all the senses of hearing, smelling, tasting...etc and can say different points of view at once as well as the interesting condensed info you give for the reader...unlike some other arabic writers who need 150 pages to spit an idea. Great work!
إرسال تعليق