٠١ يونيو ٢٠٠٥

ستوكهولم


قالوا أنها جميلة فقلت أن كل من يسافر أوروبا يعود منبهراً أياً كانت المدينة، فلم أتوقع أي اختلاف بين ستوكهولم وبين مدن ألمانيا التي زرتها وأحببتها ... على كل حال دعاني صديقي لأزور المدينة وها أنا في الطائرة.

خرجت من المطار ونظرت حولي وكما توقعت الشوارع نظيفة والسيدات جميلات وأنيقات كما قيل عنهن .. تلك هي بلاد أوروبا الغنية.
الطريق السريع الذي سلكناه من المطار إلى المدينة كان طويلاً وجميلاً ... وعادياً.

دخلت المنزل المُنَمَّق ورحبت بي أسرته ترحيباً شديداً وانهالوا علي بالأحضان والقبلات والأسئلة: هل أنتي جوعانة؟ هل آتي لك بكوب من القهوة؟ اتركوها لترتاح فهي أكيد متعبة .. أُشعل لكِ المدفأة في غرفة النوم؟ .. الخ.
كان هذا هو أول اختلاف وجدته بين السويد وألمانيا. ومنذ تلك اللحظة تلاحقت الأحداث وأخذت المدينة الجميلة على عاتقها مهمة إبهاري كأنما عليها ندر إن لم توفيه احترقت!

بعد الترحيب والأكل والشرب والترحيب والأكل ومزيد من الترحيب خرجنا إلى حديقة المنزل الخلفية التي زرعت فيها الأم زهوراً وشجيرات تنبعث منها روائح الجنة، وطماطم في حجم التفاح – أكلنا منها فيما بعد- وشجرة فاكهة تشبه الخوخ لم تكن قد أثمرت بعد، وفي ركن من أركانها جلسنا على "مرجيحة" - لا تصدر أصوات "تزييق" عند الحركة - لنراقب الغروب...

خدرني لون السماء الذي لم أجد له تصنيفاً – برتقاليٌ ضاربٌ إلى الحمرة ممتزجٌ بخطوط زرقاء تميل إلى البنفسجي - وقاومت النوم الذي بعثه في الهدوء حتى لا أضيع لحظة من هذا المشهد الفردوسي. لكن جسدي أقوى من عقلي، وعندما يأخذ قرار فقدان السيطرة والاستسلام للنعاس – أو لأي ضعف إنساني آخر – حتى الطبل البلدي لا يستطيع أن يثنيه عن عزمه!
تخللت أحلامي مشاعر الذنب والأسف ... كيف تنامين وتتركين هذا المنظر؟
لكنني عندما فتحت عينيَّ وجدت المدينة تبتسم في وجهي قائلة بصوت رقيق دافئ –تشوبه بعض نبرات الفخر والاستعلاء الطفيفة – "الغروب عندنا يا عزيزتي يدوم ساعات كما يدوم الشروق ... يومنا في الصيف طويل وليلنا لا يعرف الظلام. فمازال يمكنك التمتع بالغروب حتى بعد أن نمتِ أكثر من ساعة"

ابتسمت تقديراً وانحنيت اعتذاراً وسلمت نفسي لها لتمارس عليَّ كل وسائل التعذيب الممكنة: رائحة الزهور في وسط المدينة، الوجوه المبتسمة في كل مكان، أشجار ذات ألوان لم أعرف بوجودها، أنغام وأحلام وعيون مشرقة متفائلة... القائمة لا نهاية لها، حتى فقدت السيطرة تماماً وهمت على وجهي في فضاءات وردية أغني كالشيوخ النشوانين في مقامات بيرم "يا أيتها المدينة الحنونة القاسية! كفى! لن يحتمل قلبي مزيداً من الجمال ... الحب والأمل والحلم أحمال فوق أحمال! كيف أعود إلى أهلي وأنا على هذا الحال؟!"

وبعد أيام طويلة من الغرق في النشوة والأحلام رق قلبها أخيراً. استيقظت من نومي بقلب منقبض مثقل بالتشاؤم ...
بالرغم من أنها لم تخبرني عندما اتصلت إلا أنني تيقنت أن مكروها ما قد أصاب أبي عندما سمعت صوت أختي.

****

طاب أبي قبل أن أعود إلى الوطن واستمتعت بباقي الرحلة وعدت إلى القاهرة بصور كثيرة وحكايات أكثر. صرت أحكي لكل الأصدقاء والأقارب عن ستوكهولم الساحرة بلياليها البيضاء وشمسها التي لا تغيب...

ومنذ ذلك الحين وأنا أعشق ضوء القمر.

هناك ١٣ تعليقًا:

حـدوتـة يقول...

جميلة يا سامية الصورة اللي رسمتيها :)

امتى هتوديني ستوكهولم بقى؟ :)

سامية جاهين يقول...

قولي امتى حوديكي دهب ونقعد على البحر نتفرج على القمر وهو مكتمل وراسم طريق أبيض على الميه :)

حـدوتـة يقول...

آه ياني...فكرتيني...حقتنا نحط الصورة دي هنا أو عندي عشان ما ننساش :)

طب امتى هتوديني دهب؟ :P

غير معرف يقول...

أكتر حاجة حبيتها فى ستوكهولم هو الاحساس بأن مفيش zoning زى بقيت مدن أوروبا اللى شفتها


كل كام بلوك ليهم شكل مختلف، و انت قاعد فى مكان فاكره وسط البلد تلاقى غزالة داخلة جنينة البيت تبقى مش فاهم فين المدينة و فين البحيرة و فين الغابة

مفيش شارع بالذات فى الفنانين تلاقيهم فى أى مكان، مفيش شارع بالذات فى أى حاجة محددة على قد مفهمت

معرفش أنا اللى محظوظ و عرفت ناس مختلفة ولا هى كده بس كل العواجيز اللى قابلتهم هناك مبسوطيييييين و مستريحييين معنهمش شكوى ولا زكرى وحشة يشاركوك فيها.

بس غالية قوى و لما البرد نزل عليا حاسيت انى حموت و معرفش ازاى مصرى ممكن يستحمل شهور الضلمة.

غير معرف يقول...

هايل يا سامية! ماما

سامية جاهين يقول...

بالضبط يا علاء... وهي دي طرق التعذيب اللي كنت باتكلم عنها

أما بالنسبة للشتاء فأنا ماشفتوش... شفت بس الجانب المشرق لستوكهولم وبالرغم من ذلك برضه لم تنجح في ترويضي وإخضاعي تماماً -مثلها مثل أي مدينة أخرى غير القاهرة- وهذا ما أقصده بالجملة الأخيرة في القصة

Ana mosh sa3eed. يقول...

Ms.samya

I liked the topic very well....but what really made me feel ...some how sad ...is the talking about your dad...I just had that feeling deep inside of me...as I'm holding right now akhbar eladab..the whole issue is about your dad.....I LOVE him....allah yer7amoh ...the date is 5th of June...for me that was the real date we lost Salah jaheen....I don't know what to say..but really...I wish he was alive with us these days.!
again..Allah yer7am waldek...we yer7am kol elnas elly 7abo haza elbalad.

سامية جاهين يقول...

الأستاذ المصري،

أشكرك على مشاعرك الرقيقة وسوف أناقشك في بعض النقاط فيما بعد لضيق وقتي الآن -وربما لعدة أسابيع مقبلة

على كل حال أردت أن ألفت نظرك أن هذه ليست قصة حقيقية. أبي توفى وأنا في السادسة من عمري

Prometheus يقول...

شكرا لك سامية.
سمعت الكثير عن السويد وتقدمها وتحضر شعبها، وما زلت افتقد الوقت لتلبية دعوة من صديق مقيم في مالمو لزيارة ذلك البلد.
شكرا لك مرة اخرى

غير معرف يقول...

ستوكهولم من فوق

Aladdin يقول...

مستوى راق من الحكي.. دام لك قلمك.

شكرا علاء على خريطة ستوكهولم. شفت بيها القاهرة ويوركشاير من فوق. حقيقي فرق!

سامية جاهين يقول...

شكرا يا علاء على الموقع وشكراً يا علاء الدين على التشجيع! كتبت قصة جديدة وعدّلت قليلاً في "ستوكهولم" لكن للأسف ليس لدي وقت لكتابتهما على الكبيوتر ووضعهما على الموقع في الوقت الحالي والسبب هو التحضير لمهرجان للموسيقى والغناءالشعبي بالمورد الثقافي... سوف أنشر خبراً عنه بعد قليل

غير معرف يقول...

انا لا اعتبر ستوكهولم بهذا الجمال الفائق فهي مدينة عادية ككل مدن الشمال الاوربي